رمى مواطن عربي مقيم في إحدى المدن البلجيكية عقب سيجارته في الشارع. ومن سوء حظه، وحسن حظ المدينة، أن الشرطة كانت تراقبه فخيرته بين أن يدفع غرامة قدرها 55 يورو أو ينظف الشارع كله عقابًا له على فعلته الشنعاء. وقد اختار تنظيف الشارع حيث سلموه كل لوازم التنظيف ووقفوا يراقبونه يدفع ثمن ما اقترفه استهتارًا وتهاونًا بالذوق العام. طبعا عندنا تقف سيارة فيها ما لا يقل عن ثلاثة أولاد مع أمهم وأبيهم ثم يفتحون الباب ويبدأون بإلقاء (زبالتهم) في عرض الطريق وأمام الجميع. رأيت ذلك أكثر من مرة في أكثر من موقع وعبر كل مدن المملكة. وكل مرة أهم بمعاتبتهم أو نصحهم أتراجع خوفًا من احتمالات أن يكون تحت المرتبة (عجرا) تنزل على أم رأسي وترسلني إلى المستشفى بين الحياة والموت. في ذلك العالم الغربي غير مسموح بأن تعبث أو تخرب أو تشوه الأماكن العامة التي هي ملك للجميع وليست ملكك أنت وحدك. في حدود جدران بيتك من الداخل افعل ما تشاء ومارس قذاراتك كما تشاء لكن إياك ثم إياك أن تعتدي على الناس وذوقهم العام، وحقهم في حديقة نظيفة وشارع نظيف وشاطئ ترى في صفحة مائه ملامح وجهك. نحن هنا، وفي كل الدول العربية، بحاجة إلى تربية الذوق العام وفرض إجراءات رادعة، مثل تنظيف الشارع أو الحديقة من قبل المعتدي عليهما، لكي نتخلص من هذه الطبائع السيئة التي يورثها، مع الأسف، الآباء للأبناء. وصدقوني لو أن كل من ألقى نفاية أو عقب سيجارة في عرض الطريق أمسكته ما يسمونها شرطة المرافق وألزمته بتنفيذ عقوبة فعله بمثل هذه الصورة البلجيكية لرأيت الناس يتغيرون من فورهم ويحترمون أنفسهم؛ لأنهم يعلمون سلفًا أن ما يفعلونه خطأ، وأنهم إنما يرتكبون هذه الأفعال استهتارًا واستقواءً على حقوق الآخرين العامة. وإذا كانت وزارة التعليم تسمعني فإنني أدعوها مخلصًا، بل إنني أتوسلها لكي تعتمد منهجًا دراسيًا في الذوق العام لمرحلتي الروضة والابتدائية؛ يدرسه الطالب ويعيه ويختبر فيه كما يدرس ويعي ويختبر في المناهج الأساسية، لأن مجتمعًا يعاني بعض أفراده من شح في الذوق وحسن السلوك هو مجتمع فقير.