تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لقيام أب بتعنيف ابنه وسط الطريق في أحد أحياء محافظة جدة. وأظهر المقطع والد الطفل وهو يضرب ابنه بكل عنف بالعقال وبالصفع على وجهه وضرب رأسه في السيارة دون خوف من تعرضه لأذى جسدي ونفسي. ووثقت المقطع إحدى النساء من شرفة منزلها وكانت تبكي بحرقة وألم لمشاهدة منظر العنف السادي، وبكل شراسة وبدون تفكير في العواقب. فإن صدق هذا المقطع فهذه جريمة تستحق العقاب ويتحتم التبليغ عنها في حينها فالمرسوم الملكي (م/14) وتاريخ 3/2/1436 يحمي الأطفال من الإيذاء ولو كان المعنِف أبًا، حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وأمد في عمره، فلم تفته كبيرة ولا صغيرة من أجل حماية أبناء شعبه صغارا وكبارا. عنف مرفوض لا يقبله شرع ولا يقره عرف ولا ملة. وكأن ما رصده المقطع منظر في حلبة مصارعة لا تكافؤ فيها، طفل ضعيف لا يستطيع حماية نفسه، ماذا فعل حتى يعنف بهذه الطريقة؟! ومهما فعل فلا يستحق كل هذا العنف. أتعجب هل هذا انتقام من شخص ما، كأم الطفل مثلا؟ ان كان ذلك فتلك مصيبة وإن كان من تصرف الطفل الطفولي الأهوج فالمصيبة أكبر! وأزيد من مسلسل قصص مآسي العنف ضد الأطفال مآسي أخرى، كالعنف في بعض المدارس التي من المفترض أن تكون روضا متمما للتربية السليمة التي تبدأ من البيت وتكملها المدرسة. مأساة طالب عُوقب بالضرب والصفع على الوجه من قبل معلم، والمعلم كما يعرفه الجميع ليس معلما فحسب بل مربيا ووريثا للأنبياء. وبعدها صدمنا بعقاب مدير مدرسة ثانوية لطالب موجها عدة لكمات في رأسه تسببت في إحداث نزيف بسيط بالرأس مما أدى إلى دخوله العناية المركزة. ما هكذا تكون التربية!! نأسف لتربية بعضنا أبناءهم بكل هذا العنف، وأيضا نأسف لممارسة العنف في بعض المدارس. الغريب أن بعد كل هذا العنف ننتظر أن نصنع لهم مستقبلا باهرا!! ونتوقع أن يكونوا شخصيات متميزة وناجحة في المجتمع. هذه التربية تخلق شخصيات متمردة عدوانية أو منحرفة، وفي حالات العنف الشديدة تبنى مصانع مختصة بصناعة المجرمين والقتلة والإرهابيين في المجتمعات، فقد أظهرت الدراسات النفسية على كثيرٍ من الإرهابيين والسفاحين أن معظمهم قد تعرض للعنف سواء الجسدي أو النفسي أو اللفظي أو أي نوع آخر من أنواع العنف الكثيرة في صغره. وأخرى ضعيفة فاشلة اجتماعيا لا تجرؤ على المشاركة في أي عمل وتشعر دائما بالدونية، وأخرى مدمرة نفسيا وعاطفيا. وأخرى وأخرى.. بعض الآباء والأمهات والمربين وأولياء الأمور -سامحهم الله- يزرعون الإحباط والغباء في أطفالهم بسبب أشكال الإساءة النفسية التي تمارس بحقهم، خاصة السادية والعنف والدكتاتورية والاستبداد. لا نريد عودة دورة الحرمان المتعاقبة عن الأجيال الماضية فالأطفال ليسوا إرثا، نريدهم يشعرون بالأمان والحب والحنان، التربية السليمة حق شرعي وواجب للأبناء، لماذا نسلبهم حقهم بتربية فاشلة ونجعلهم غير صالحين لأنفسهم ووطنهم؟ أبناؤنا أكثر من نحب فلماذا لا نظهر صفة الرحمة الحقيقية التي وهبها الله لنا ونترجمها عملا وفعلا وأسلوب حياة فنريح ضمائرنا ونصون أمانتنا؟