مُنع الضرب في مدارسنا رسميّاً في وزارة الدكتور محمد الرشيد. وقبل ذاك؛ كان الضربُ مسكوتاً عنه، حتى تفيض شكوى، هنا أو هناك، جرّاء معلّم جار في عنف أو استخدم أداة مؤذية. الدكتور الرشيد فرض الرؤية الحديثة في التربية بمنع الضرب منعاً حاسماً وجازماً. وعلى الرغم من أن الفقير لله «حضرتنا» طالبٌ سابق تكسّرت العصيّ على كفيه؛ فإن وجهة نظري تقول إن منع الضرب منعاً حاسماً جازماً كان أول قرارات «نتف» ريش المعلم وضرب هيبته. هذا لا يعني أن لديّ تأييداً وميلاً لاستخدام العقاب الجسدي في المدارس. بل أريد أن أوضح أن معلم الأمس كان مربياً مفوّضاً تقريباً باتخاذ الإجراء المناسب. وكانت عصاه تسبقه إلى دخول الصفّ ليتجنّبها من يتجنّبها ويصلاها من يصلاها. وفي كلّ الأحوال كان المضروب وغير المضروب من الطلاب يعرف موقعه من معلمه، وينتبه عفواً ومن تلقاء بساطته الطفولية إلى أن «الأستاذ» لن يضربه ما لم يصدر عنه تقصير. كنتُ في الخامس الابتدائي؛ وكان معلم العربي سعودياً من البلدة ذاتها. ولأنني كنت مهملاً «مفهياً» مسكوناً بمزاجية ذات أثر؛ هدّدني الأستاذ حسين الفرج؛ بأنه لن يتسامح معي في التخلف عن حصة من حصصه. لكن نوم الشتاء أخرني عن الحصة الأولى، وكانت حصة القراءة. ولأن الأستاذ نفسه سوف يأتينا في الحصة الخامسة؛ تذاكيتُ بفكرة مجنونة. ذهبتُ إلى بستان مجاور للمدرسة، وعدتُ منه بعصا. وفي الحصة الخامسة؛ تقدّمتُ للأستاذ بكل خُيلاء معترفاً بذنبي واستحقاقي العقاب.. وأعطيتُه عصاي..! ما حدث هو أنه ضربني بعصاي.. وبعصاه التي عنده..! قد تبدو نكتة عابرة من الذاكرة. إلا أن الأهمّ هو أن ضرب المعلمين لم يكن يختلف عموماً عن ضرب المربين الذين يستخدمون عصيّاً، ولا يضربون الوجوه أو الرؤوس، ولا يؤذون بالصفع أو الركل. كان ضرباً من ضُروب الأبوة التي يرفضها آباء اليوم وأمهاته.. السؤال الأخير: هل معلمو اليوم مؤمنون برسالتهم التربوية مثل معلمي الأمس..؟