ترك لنا الفقيد غازي القصيبي، رحمه الله، في (حياة في الإدارة) أهمّ وصفة لعلاج تشوهاتنا الإدارية، وحالة هشاشة العظام التي أصابتْ الكثير من المرافق والمؤسسات، وحدّتْ من فاعليتها بحيث أصبحت كلفة تشغيلها أكبر بكثير من حجم منجزاتها، لكن تلك الوصفة الباهرة التي حظيتْ بإشادة الكثيرين ظلت بين دفتي ذلك الكتاب، دون أن تُصرف ويُطبّبُ بها جهازنا الإداري العليل. يقول غازي: «الإداري الناجح هو الذي يستطيع تنظيم الأمور على نحو لا يعود العمل بحاجة إلى وجوده»، أسألكم بالله: كم مرة استطعتم إنجاز عملكم دون وجود المسؤول؟، وكم مرة اضطررتم لإنفاق المزيد من ساعات الانتظار في هذا الجهاز أو ذاك إما بدعوى أن المسؤول في اجتماع أو أنه ضمن لجنة ميدانية أو غير ذلك من مبررات التعطيل. أحيانًا تشعر أن شخص المدير، شخص المسؤول هو الإدارة، لا بل قد تتفاقم العقدة لتمتد إلى الموظف التنفيذي الأصغر الذي يريد أن يتقمص شخصية المسؤول فيتحوّل إلى عقبة في طريق الإنجاز بغيابه أو بتهاونه، لكننا بدلا من أن نفتش عن العناصر المؤهلة للإدارة، والتي تستطيع أن تحقق الكثير من الإنجاز بأقل الجهد والمال، ما زلنا نصر على إيصال المسؤول إما عن طريق الأقدمية، أو عن طريق الترقية والمرتبة، ودون مراعاة لأي من المقومات الرئيسية التي يلزم أن تتوفر في شخصية المدير أو القائد. نحن في مرحلة ما عادت تستوعب المديرين من فصيلة (لإكمال اللازم)، و(حسب النظام)، وما في حكمها، نحن بحاجة إلى مسؤولين أكثر جرأة على كسر التقليد، مسؤولين لا ترتجف أيديهم عندما يريدون أن يتخذوا قرارًا يحقق منافع الوطن والناس لكنه لا يتكئ على تعميم يدس المسؤول رأسه بين سطوره. يقول أحدهم: (الخصال التي تجعل المدير ناجحًا هي الجرأة على التفكير، والجرأة على العمل، والجرأة على توقع الفشل). وأنا أقول: الإدارة الحيّة والنابهة والشجاعة في الحق هي ركيزة التنمية الناضجة.