حياتنا اليومية سلسلة من المواقف المألوفة وغير المألوفة، وكثير من هذه المواقف يتطلب أن نستخدم عقولنا لاتخاذ الإجراءات العملية المناسبة؛ كي نتصرف بشكل أفضل، أما استبعاد العقل فهو يفسح المجال للغريزة أو الانفعال أن يسوقنا إلى سلوكيات غير لائقة. وكثير من المواقف المألوفة يكفي فيها أن نتذكرالمعلومات التي تساعدنا على التصرف الملائم للتعامل معها، كما نفعل في شئوننا المعتادة في العبادة والعمل. ومهارة التذكر Remembering Skill، هي عملية تخزين المعلومات في الدماغ، واسترجاعها عند الحاجة. كم ننسى أسماء زملاء في الدراسة أو العمل أو في الجوار وقد نمضي وقتًا طويلًا في البحث عن نظارة أو مفتاح السيارة، والأخطر نسيان المعلومات ونحن في ساعة الاختبار. من الخطأ الاعتقاد بأن ذلك بسبب أن الذاكرة ضعيفة، والصحيح أن الذاكرة (غير مدربة)، فلابد من تدريبها على الاستيعاب من خلال حفظ بعض المعلومات المهمة، ومن الأفضل حفظ ما تيسر من القرآن، وتلاوته عن ظهر قلب فهذا أقوى تدريب للذاكرة. يقول النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدَّ تَفَلُّتًا مِنْ أَحَدِكُمْ مِنْ الإِبِلِ مِنْ عُقلِهَا». أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فالتكرار، أو التعاهد للمعلومات مع الفهم والتركيز من أهم العوامل المساعدة للحصول على ذاكرة نشطة. أما المواقف الجديدة أو غير المألوفة فلا يكفي فيها مجرد تذكر المعلومات أو التقليد، بل لا بد من التفكر، وهو الانتقال أو العبور من فكرة مألوفة إلى أخرى جديدة، وطرح حلول مبتكرة. وهذا يتطلب تنمية لمهارات التفكير Thinking skills من خلال التعليم والتدريب، وعلينا أن نضاعف فيه الاهتمام والجهد في مؤسساتنا التعليمية كافة. والإسلام يوسع دائرة التفكير لتشمل حياتنا في الأولى والآخرة، قال تعالى: { كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ } سورة البقرة: (219-220) وطلب من المؤمنين أن يجمعوا بين الوحي والعقل كما في قوله تعالى:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } سورة النحل: (44) ومن المواقف الشهيرة في التفكير لحل مشكلة ما يتعلق بحادثة الحجر الأسود قبل البعثة، إذ لما تصدعت الكعبة من السيول شرعت قريش بتجديدها. وعندما وصل البناء إلى موضع الركن ارادوا أن يضعوا الحجر الأسود في مكانه فحدث جدال وخصام حول من سيرفع الحجر الأسود ليضعه في مكانه. وكاد القتال أن يحتدم بينهم، إلا أنهم رضوا بالاحتكام إلى أول قادم عليهم، وكان هو محمد صلى الله عليه وسلم، فكيف عالج هذه المشكلة؟ هل يضعه بنفسه؟ أو يجري قرعة؟ أو يختار أقوى القبائل؟ هذه خيارات لم تكن لتعالج المشكلة بشكل يرضي كافة الأطراف، فاختار حلا يسمح بمشاركة الجميع، فقال:ائتوني برداء فأخذ الحجر الأسود ووضعه فيه، وطلب أن يأتي شخص من كل قبيلة فيأخذ بطرف من الرداء، ثم يرفعونه جميعا. وهكذا بوسعنا أن نعالج الكثير من المشكلات التي تواجهنا بحلول مبتكرة. (وللحديث بقية)