سر إنسانيتنا برأيي أننا كائنات غير مستوحشةٍ ولا متوحشة امتيازا عن بقية المخلوقات، وإني أربط الأنس مع الأناسة، وهي التمتع بمشاركة الآخرين والأنس بقربهم ومعهم. ما هي ترجمة هذا الشعور الغامر بالأُنس؟ إنها البشاشة، وما هي البشاشة؟ هي الابتسام. فالإنسان كي يكسب الإنسان الآخر والجماعة يجب أن يكون هاشا باسما فتصل رسالة لهم منه معنونة كالتالي: «إنني أحب أن أكون معكم، وأتعاون معكم، وأن أجمل لحظاتي هي تلك التي أقضيها معكم». إذن إن من أصل جُبِلّتنا الإنسانية أن نكون ظرفاء ضاحكين. قبل اختراع اللغة، كيف كان الناس يتواصلون ويبعثون إشارات السلام والحب والأمان إلا من هذه الفرجة العريضة على الشفاه، ويكون متى أصر الواحد منا على العبوس والتجهم، والضيق والنرفزة، أو الأنفة المزيفة، والغرور المنفوخ، فهو يرسل رسالة أخرى للناس تقول: «إني لا أريدكم!»، ولكن هذا كما أسلفنا ضد الطبائع البشرية. فهؤلاء العابسون والمترفعون والمتجهمون، هم إذن مستوحشون، وصنعوا لأنفسهم وحدة موحشة، ولو كانوا في قصور من ذهب، لأنها ستكون قصورًا بلا روح. ولقد وصف القرآن العظيم العبوسَ في مشاهد مرعبة تجعلنا نرجف ونستشعر هلعًا بأن للعبوس مساهمة فعالة في الإيحاء بالخوف والرهبة والانزواء في مشاهد الموت وغضب السماء، ففي سورة الإنسان يقول تعالى: «إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا» وقمطرير تعني شدة العبوسة. بينما الفكاهة والظرف وعلامات السعادة من صفات أهل الجنة، كما يقول سبحانه: «فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذالِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا» والآية: «إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فاكهين...»، وتجد إنكار العبوسة سافرًا في قوله تعالى «عبس وتولى»، وقد عُرف عن نبينا صلى الله عليه وسلم بكونه من أفكه الناس وأظرفهم. ونعتمد على حديث أنس على ما جاء في «لسان العرب»: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أفكه الناس»، وعلى حديث آخر لزيد بن ثابت «أن النبيَّ كان من أفكه الناس إذا خلا مع أهله». وعن عائشة رضي الله عنها، وقد سُئِلت: «كيف كان رسول الله إذا خلا في بيته؟» فأجابت: «كان ألين الناس، وكان رجلا من رجالكم.. إلا أنه كان ضحّاكًا بسامًا» وترون تركيز أم المؤمنين عائشة على قولها: «مثل أي رجل منكم»، أي يفعل مثلما يفعل بقية الرجال، ولكنها أضافت امتيازا نفيسا للنبي الكريم بخلع صفتَي الابتسامة والضحك عليه، ومن لا يريد تلمس عتبات تميُّز أفضل البشر؟! فسلامٌ عليك يا حبيب المصطفى.. أيها الضحاكُ البسّام.