أوصاني تلميذي وصديقي الأستاذ مسفر بن عبدالواحد الغامدي عندما قدمتُ إلى المنطقة الشرقية بأن أبحث عن الشيخ محمد بن زيد فهو «قاض فاضل، وموجِه حكيم، وصديق للجميع» وهكذا هم الأخيار سمعتهم تسبقهم في كل مكان. وصادف أن استأجرتُ بيتا في الدمام وفي نفس الحي الذي يسكن الشيخ فيه.. التقيت به في المسجد المجاور لبيته وقدمتُ نفسي إليه، ابتسم ودعا لي بخير. شاركتُ معه في لجنة كونها أمير المنطقة وأمرني بتدوين النقاط المهمة وكتابة المحضر. وأثناء الكتابة تأتي عبارة الحكومة والوطن فأمرني بكتابة «الحكومة أيدها الله» و«الوطن حرسه الله» قلتُ له إن قلبي مملوء بهذه العبارات ولكن لماذا تحرص على كتابتها؟ ابتسم وقال: نحن ندعو ونتسبب في آخرين يدعون فالحاكم يحتاج للدعاء. بيته مفتوح للقاصي والداني، ومجلسه المسائي مدرسة من دون مناهج وكان هو الموجه والمدرِس للجميع. يذكر الناس بخير في غيابهم وحضورهم، قارئ نهم.. يعلِق على مقالات، ويشير إلى كتب جديدة.. ويحفِز الحاضرين على النقاش والحوار ويردِد «نصف العلم السؤال». يلج الناس ذوو المقامات المختلفة إلى مجلسه بكل احترام وتقدير له. يأتي إليه علماء وقضاة وطلاب علم. يتحدث أحدهم أو بعضهم ولكن الكل عندما يدخل الشيخ إلينا يقفون له احتراما وتقديرا. يطلب القهوة العربية لضيوفه ويدعو الحاضرين إلى تناول التمر والرطب. يسأل كل من يودعه عن عمله وعن أبنائه.. وغالبا ما يوصي برعاية الأبناء والحرص عليهم وعلى تعليمهم. عاش (صديقا) للجميع. يزور المرضى، يحضر حفلات الزواج، يزور أصدقاءه ومحبيه في منازلهم. يجيب السائلين ويشرح لهم حكمة الله في خلقه وأنه بهم بصير. رعى جمعية البر بالمنطقة الشرقية.. ودعا الموسرين لدعمها.. وخطط لوصول مساعداتها إلى المحتاجين في منازلهم حفاظا على كرامتهم. أسس مركز التنمية الأسرية فكان منارة إرشاد وإصلاح لجميع الأسر، أسس بيت الخير لاستقبال الزكوات، وحفظ الطعام من التلف أو التبذير والإسراف. أيد وشجع جمعية المعاقين بالمنطقة الشرقية، فتميزت على وصيفاتها من الجمعيات الأخرى.. حضر كثيرا من الندوات والمحاضرات التي تنظِمها إدارة التعليم بالمنطقة.. وكان يتابع مسيرة التعليم بعين الناقد البصير مما جعلني وزملائي نستفيد من توجيهاته وملاحظاته. وإذا تحدثنا عن جمعية تحفيظ القرآن الكريم فإننا نجده رحمه الله مؤسِسا ورئيس مجلس إدارة. اختير لعلمه وفقهه عضوا لهيئة كبار العلماء.. فساهم بآرائه ومقترحاته طوال فترة عضويته.. تمسك ببقائي مديرا عاما للتعليم فقلتُ حينها، وأقول الآن: إن هذه شهادة لي من الشيخ أعتزُ بها وبطريقته الهادئة الرزينة. اتفق مع الأمير محمد بن فهد بن عبد العزيز -حفظه الله- والأمير فهد بن سلمان بن عبدالعزيز -رحمه الله- على التمسُك ببقائي خدمة للتعليم بالمنطقة الشرقية وهكذا كان. (سلفنا الصالح) اخترتُ هذا العنوان لأني كلما جلستُ إليه.. وكلما رافقتُه أحسُ بأنني في حضرة الرجل الصالح.. وكأني بهذا العنوان أنعي نفسي أيضا إلى قارئاتي وقرائي الأعزاء وأطلب منهم الدعاء للشيخ وكذلك الدعاء لي ولهم الأجر والمثوبة. إذا غاب رحمه الله فإن عزاءنا في أبنائه وعلمهم وتواضعهم.. فمنهم الإداري والأستاذ الجامعي ورجل الأعمال أصلحهم الله ورفع مكانتهم وإنا لله وإنا إليه راجعون.