فَقَد الإعلام السعودي الأربعاء الماضي ابناً باراً، خدم في الأصعدة الصحفية لأكثر من ثلاثة عقود، دون ملل أو كلل، وهو يحمل ال"الكاميرا"، موجِّهاً عدستها صوب كل ما يبحث عنه القارئ في الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية والدورية. هو زعيم العدسة، المصوِّر أحمد آدم، فقيد الإعلام، آدم "الأسمراني"، ذو القلب الأبيض، الرجل المتواضع، الصادق في مواعيده، في زمن اغتُيل فيه احترام الموعد.
عرفته صديقاً وزميلاً منذ انضمامي إلى صحيفة "سبق". أتذكر جيداً كلمات المدير العام والمؤسس الأستاذ علي الحازمي وهو يوقع معي عقد الانضمام للصحيفة عندما قال لي: "لدينا أشهر مصور في تاريخ الرياضة السعودية: أحمد آدم".
هاتفي مليء برسائل رئيس التحرير الأستاذ محمد الشهري عندما يوجهني للمناسبات والمؤتمرات الصحفية بقوله: "نسِّق مع الزميل أحمد آدم".
يتمتع زميلنا "أبو أيمن" بعلاقات واسعة مع الكل، علاقات محبة وود مع أصحاب السمو الأمراء، مع العلماء والمشايخ، مع الوزراء والمسؤولين، مع رؤساء الأندية واللاعبين.. وجدته محبوباً من المواطنين، من الزملاء الإعلاميين في جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.
رافقني في تصوير حوارات صحفية ولقاءات وتغطيات لمناسبات كثيرة، عندما نذهب لمؤتمر صحفي أو موعد ما فإنه يطالبني بالحضور قبل الانطلاق بوقت كافٍ، يحترم المواعيد جيداً، ودائماً ما يردد على مسامعي جملة "أنت ما تعرف زحمة الرياض!!".
أحمد آدم صديق الأمراء والمشاهير والبسطاء، كلما دخلنا على أمير أو وزير أو مسؤول أو لاعب أجدهم يعرفونه "كما يعرفون أبناءهم"، ويذكرهم بمواقف بعيدة تفتح لي محاور أخرى في اللقاء.
ذات يوم دعانا الأستاذ عثمان أبا حسين، مدير فندق المينا غراند "أبراج الخالدية سابقاً"، لعمل تغطية صحفية بمناسبة افتتاح الفنادق التابعة لمستثمرين، من بينهم الشيخ عبدالمحسن الحكير. وفي الطريق يروي لي زميلي الفقيد أحمد آدم تفاصيل الحياة في المنطقة التاريخية في آخر عهد الملك خالد - رحمه الله -، ينقل أحداث ذلك الزمن كما ينقلها والدي - رحمه الله -.
قبل رمضان الماضي توجهنا بواسطة فاعل خير، وبإيعاز من علي الحازمي، إلى منزل أيتام في حي منفوحة؛ للكتابة عن حالتهم الإنسانية، وهناك استقبلتنا والدتهم، ووجدنا أبناءها وبناتها في الصالة. التقط زميلي أحمد صورة جماعية لهم، وتوجه إلى داخل البيت للتصوير بصحبة الابن الأكبر للعائلة، بينما بقيت أنا بينهم أكتب بقلمي ما ترويه لي الأم، وفجأة جاءني "آدم" مسرعاً بعد أن قام بتصوير المطبخ وغرفة "البنات"، وهمس بأذني جانباً: "وجدت نساء معوقات في غرفة النوم بلا حراك كافٍ لنقل حالتهن أمام القراء، ومن كان في قلبه ذرة من الإنسانية سيتحرك". وبالفعل قام بتصويرهن، وتم نشر الحالة في الصحيفة، ولقيت الأسرة تجاوباً كبيراً من قِبل "الشؤون الاجتماعية" وجمعية "إنسان" وفاعلي الخير، وكان للراحل أحمد آدم - رحمه الله- نصيبٌ كبيرٌ من الدعاء والثناء.
في اجتماع قادة مجلس التعاون الأخير، الذي عُقد بالرياض، سبقه لقاء تشاوري تحضيري مشترك بين وزراء المالية ووزراء الخارجية في دول الخليج، وتم توجيه دعوة لصحيفة "سبق" للحضور والتغطية، وعلى الفور أجرى رئيس التحرير ونائبه لطفي عبد اللطيف تنسيقاً معي ومع المصوّر أحمد آدم، وكانت اللجنة الإعلامية في مجلس التعاون قد حددت حضور الإعلاميين في الساعة التاسعة صباحاً، وفي يوم الاجتماع اتصل بي الساعة السابعة صباحاً يطلب مني التوجه إلى هناك!! وهو دليل مادي على احترام الفقيد الوقت والمواعيد والعمل.
كل الزملاء في المقر الرئيسي لصحيفة "سبق" يثنون على الراحل، الزميلان سلطان المالكي وعبدالعزيز العصيمي ذكرا ما ذكرته لكم حول الاحترام المتبادل بينه وبين الناس عندما يصحبهما في حوار صحفي أو لقاء.
أحمد آدم هو صديق للأمير الراحل عبدالرحمن بن سعود، يحدثني دائماً عن ذكائه الرياضي، وذكاء الأمراء سعود الفيصل وعبدالله بن مساعد وخالد بن سلطان.
ذهبنا سوياً للتغطية الصحفية لتشييع جثمان المغفور له - بإذن الله - الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وعند عودتنا لمقر الصحيفة قال: شاهدت خادم الحرمين الشريفين عن قرب وهو يعتصر ألماً لفقد أخيه ولي العهد. وأضاف "ثوان قليلة علَّمتني دروساً في الصبر".
أحمد آدم سُجّلت باسمه أشهر لقطة في تاريخ الرياضة السعودية في مباراة الهلال والنصر، في نهائي كأس الملك على ملعب "الملز". يقول: "كان اللاعب يوسف خميس يهم بتنفيذ خطأ من منتصف ملعب الهلال، ولمحت الكابتن ماجد عبدالله يشير بيده على رأسه؛ فوجهت (الزوم) ناحية رأس ماجد حتى ارتقى عالياً؛ فالتقطت الصورة لأعلى نقطة وصل إليها. وفي اليوم التالي لم تكن هناك إلا هذه اللقطة الخاصة بي، وطلبني الأمير عبدالرحمن بن سعود، وأثنى عليّ، وشكرني، وبعد ذلك وُضعت الصورة بمقاسات أكبر على مدخل نادي النصر".
قلت له ذات يوم: رغم تقدمك في السن إلا أنك ما زلت تتمتع بروح الشباب!! فقال: "كن متسامحاً مع الجميع، ولا تحمل في قلبك حقداً على أحد، ودع ما لا يعنيك، تعش مرتاحاً طول العمر!!".
هاتفني سكرتير رئيس التحرير الزميل عبدالعزيز الغويري؛ ليخبرني بوفاة العزيز الغالي أحمد آدم؛ فتذكرت بيتاً رثائياً للشاعر الكبير رشيد الفريدي: "الموت ذيب البشر ما ينتهي جوعه وإليا انتهى بأمر ربك قامت الساعة".
رحم الله كبير المصوّرين وزعيم العدسة وفقيد الإعلام الزميل الأخ أحمد آدم، وأسكنه الله الفردوس الأعلى. {إنا لله وإنا إليه راجعون}.