في عالم يموج ويتداخل ويتثاقف بلا حدود، يتنامى القلق على أطفال اليوم وقادة المستقبل، ومهما حمَّلنا المجتمع والمدرسة والمسجد والإعلام من مسؤوليات، تظل الأسرة هي المحضن الأول، والحصن المسؤول عن حراسة المعتقد والقيم والفضيلة وبناء الشخصية وكيانها، ويحتاج ذلك إلى عشرة وسائط: أولها: التنشئة التربوية الصالحة على طاعة الله تعالى ورسوله، وطاعة أولياء الأمور. وثانيها: تقبيح السيئات، وتعظيم انتهاك الحرمات، ومخالفة الأنظمة العامة، وتجريم الاعتداء على الآخرين في المجتمع بلا استثناء ولا تصنيف. وثالثها: القدوة المستقيمة من الأبوين، وهي المؤثر الأكبر والأخطر. ورابعها: الثبات على المبدأ؛ حين تختل قيمة من القيم في محيط الأسرة. وخامسها: التربية الجمالية، واحتضان الإبداع، والإنفاق السخي في سبيل ذلك؛ حتى يصل الأولاد إلى النضج والإنتاج في مجال من المجالات. وسادسها: الاهتمام الكبير بالصحة الجسدية والنفسية، وعدم إهمال أية بوادر لمرض أو اضطراب. وسابعها: التسامي في التربية الجنسية، وتحويل طاقتها الطبيعية إلى مشروعات عمل، ونشاطات نافعة؛ كالقراءة، والرياضة، والتجارة، والتصميم، ونحو ذلك. وثامنها: التحصين الفكري، ووضوح المرجعية وتوثيقها، ومناقشة كل الأفكار المائجة في الساحة العامة بكل وضوح وشفافية؛ حتى لا تترك ثغرة يدخل من خلالها المتسللون إلى الأدمغة الفارغة. وتاسعها: تكريس الانتماءات الأربعة: الدين والأمة والوطن والأسرة، وما يتبعها من التزامات؛ حتى تسد حاجة الانتماء البشرية الطبيعية أمام من يحاول استغلالها من أصحاب الدعوات المنحرفة. وعاشرها: التشجيع على العمل التطوعي؛ حيث تُنمى الروح الاجتماعية، وتتسامى النفس على الماديات، ويكتسب الولد قدرا كبيرا من المهارات. وقد تترك الأسرة بعض الثغرات لأعداء الدين والوطن، وهي لا تشعر بذلك: وأولها: إهمال التوحد والانعزال بدون مسوغ، وتسد بالاندماج، وبالرقابة الأُسرية الهادئة غير المثيرة. وثانيها: ضمور الحوار الأسري وسيطرة التسلط الوالدي، وتسد بإشاعة ثقافة الحوار، وقبول الرأي الآخر، وتطارح كل القضايا التي يثيرها الأولاد على سبيل التشاور والتفاهم، وليس الإلزام من طرف واحد، إلا إذا كان لها حكم شرعي، أو عرف محترم، أو نظام عام. وثالثها: التربية القاسية، ويستبدل بها التربية بالحب والحزم؛ وهما صماما الأمان بإذن الله تعالى. ورابعها: الإهمال التربوي، ويعالج بقيام الوالدين بواجبهما المباشر في بناء الأولاد، ووقايتهما من المؤثرات السلبية، وعلاج مشكلاتهم أولا بأول. وخامسها: التساهل، وعلاجه: المتابعة المستمرة والمراجعة والتقويم، وعدم تمرير الأخطاء السلوكية التي أخذت في الثبات، بحجة التغافل المحمود، الذي يحسن في السلوكات الطارئة فقط. وسادسها: الحماية الزائدة، وعلاجها بالتربية على تحمل المسؤولية؛ حتى لا يصبح الولد اعتماديا، ويتهيأ للفشل في إدارة حياته، وقيادة المؤسسات التي قد يتصدرها في المستقبل. وسابعها: التدليل، وهو أسوأ أنواع التربية على الإطلاق، ومن يحب ولده يربيه. وثامنها: الحرمان العاطفي، الذي فتح للصوص الأعراض الأبواب الموصودة، والعلاج بالتصريح بالحب قولا وعملا، والاحتضان والتقبيل. وتاسعها: بعض الخادمات والسائقين، إذ يجب أن تبقى علاقتهم بالأولاد مرصودة بدقة، حتى لا تتجاوز طبيعتها. وعاشرها: الصحبة السيئة، والبديل مساعدتهم على صناعة صداقة فاعلة مع المستقيمين المبدعين من المثلاء، بل وصحبة الوالدين لهم، ولا سيما بعد التمييز، في كل مراحل العمر المتلاحقة. «ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين».