حين نشرت الصحوة أجنحتها السوداء على المجتمع بدأت بفكرة الترهيب الديني والتخويف من العقاب وكانت ترتكز على أمرين لا ثالث لهما المرأة والفكرة مهما تعددت الفروع التي تسللوا منها. فكل المفاسد تبدأ من المرأة ثم تنتشر في المجتمع كله سواء أكانت المرأة سعودية أو تلك التي تظهر في التلفزيون والمجلات لتفسد النساء والرجال معا. أما الفكرة فالمقصود بها كل فكرة تسقط المرء في جريمة محاولة فهم أو فلسفة كل ما يحدث، فكان سعيهم حثيثا ضد كل فكرة لا تناسبهم؛ لأنها في نظرهم حتما ستصل بالمرء إلى الشرك أو هي دعوة للخروج من الدين! ولهذا اعتمد الصحويون - رجالهم ونساؤهم- أسلوب الترويع ضد كل من يخالفهم، فإذا كنت حصيفا وقارئا ومناقشا لتفهم وتعقل فأنت مخالف وإذا كانت المرأة تطالب بحقها الذي تعرف أن الدين لا يعارضه فهي متمردة ومنحرفة يخشى من خطرها. وعلى هذا الأساس بدأ الوعظ الترهيبي يملأ الأرجاء في المساجد والمدارس والجامعات وصالات الأفراح والبيوت التي صارت تخصص بعضها في عقد الجلسات الدينية التي تخرج منها النساء باكيات يرتجفن من الرعب ويخرج الرجال وهم يفتلون شواربهم استعدادا لتهذيب النساء بالحبس واختيار شكل لباسها أو ضربها ومنعها من الحياة الطبيعية ولم لا فهن (أكثر أهل النار)، كان كل شيء حينها يشير إلى نزول دين يندس في البيوت كالظلام فيشوه العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة حيث تخاف الأم من ابنتها فهي أعلم منها وهي التي أمرت بإخراج التلفزيون من البيت ويخاف الأخ من أخيه فيخفي عنه ذلك الكتاب الذي استعاره، وبدأت دوامة كبيرة من الكذب الاجتماعي تأخذ في طريقها كثيرا من الناس، فهو يكذب لتسير الحياة ويتجنب الصدام مع أهله أو أقاربه وأصدقائه، فهذا يكذب ليسافر وذاك يكذب ليقرأ كتابا ممنوعا وتلك تكذب لتزور صديقتها حتى حفلات الأعراس صار بعضها إسلاميا وبعضها في نظرهم أفراحا يمارس فيها الفسق وسماع المعازف وصار... وصار... وما أكثر ما صار. إلا أن بيوتا أخرى كانت في مأمن من كل ذلك فلم يصلها أذى الصحوة إلا حين يخرج أصحابها منها ويتعاملون مع الخارج في الأعمال أو الشوارع، تلك بيوت لم يتوقف فيها نمو الوعي بالقراءة ولم تغلق فيها طاقات الحياة المختلفة التي تجعل المرء متوازنا باستخدام عقله فلم تنطل عليه قصصهم. فلم يمتنعوا عن شراء الدش ولم يغلقوا أجهزتهم حين يدخل عليهم الضيف ولم يمزقوا صور طفولتهم وسنوات الشباب ولم تتوقف مظاهر الفرح في بيوتهم في يوم ميلاد أو قرقيعان ولم تغب الأغاني في مناسباتهم السعيدة. بيوت لم تمنع فيها الكتب روايات كانت أو دواوين شعر أو فلسفة. كانت كتيبات الصحوة وأشرطتها تدخلها كهدايا تقدم في بعض المناسبات ثم تواجه بالاستنكار في تلك البيوت الآمنة التي حمت نفسها من شرور الصحوة التي كانت أشرطتها المرعبة توزع كهدايا حتى في الأعراس فيخرج أحدهم من الحفل ليجد في يده شريطا يتحدث عن فتاة لم يكتمل تغسيلها عند موتها لأن البنطلون التصق بجسدها وذاك التف عليه الثعبان. تلك البيوت كان بعض قادتها ممن لم يتعلموا ولكنهم يحفظون كتاب الله ويتهجدون في ليلهم ويحكون لأطفالهم قصص الأنبياء. تلك بيوت لم تهتز ولم تنقسم ولم يحمل الأبناء في قلوبهم ضغينة على والديهم لأنهم منعوا عنهم الحياة حتى جاء وقت انتكسوا فيه فبعضهم عاش وهم الجهاد وبعضهم صار لقمة سائغة في يد أعداء الوطن ففقدوا الدين والدنيا وبعضهم بالغ في التحرر من أغلاله فصار كالأراجوز.