منذ بدء الدراسة وخلال الفترة الماضية كان «المعلم» محور كثير من المقالات والتغريدات.. كاتبون وشعراء مجدوا المعلم ورسالته وهم على حق في هذا.. وقليلون انهالوا على «المعلم» انتقاصا في علمه وشكا في مستوى تدريبه وقدحا في مستوى أدائه، وقد يكون لبعضهم الحق في ذلك لأنهم انطلقوا من «ضعف مستوى الطلاب». وآخرون قدحوا وردحوا من منطلقات أخرى أكثرها حبا في الاثارة الصحفية ناهيك عن طلب الشهرة على حساب آخرين. تابعت بعض الكتابات والتغريدات، ورحبت بالنقد الهادف والتطلعات المشروعة.. فالمعلم في نظري خاصة في بلادي – هو حامل رسالة، هو وريث الانبياء ونحن في بلادنا والحمد لله ننطلق في رؤيتنا للمعلم ورسالته والامانة التي يحملها من قوله تعالى لمعلم الخلق: (اقرأ باسم ربك الذي خلق «1» خلق الإنسن من علق «2» اقرأ وربك الأكرم «3» الذي علم بالقلم «4»). والآيات الكريمات هنا واضحة لنا بمقاييسنا المعاصرة فالقراءة أس العلم والحضارة، والمعلم الانسان «مدرسنا اليوم» هو ناقل العلم وحاضن الحضارة، والطالب هو مستودع الفطرة الانسانية بما جبلت عليه من حب للتعلم ورغبة في البقاء فهو بذرتنا «من بذر» لبقائنا «بقاء الانسان». وهو حاضن الفطرة السليمة التي تحب العلم وتتوق اليه وتكشف أسراره ومراميه.. وكل هذه المعطيات هي اساس لفكرنا ونظرتنا الى الحياة وأساليبها القائمة على العلم، والعلم لا بد له من منهج دراسي ووسائل تعليمية ومبان وتجهيزات تقنية، وكل هذه العوامل تتوفر بحول الله وقوته وما علينا فيها الا التخطيط والتنظيم والتنفيذ. المعلم بما سبق وطرحته يتحمل مسؤولية كبيرة.. فهو وحده الذي يتعامل مع جميع الناس. مطلوب منه ان يعلم جميع طلابه، ومطلوب منه ان يعلم النابغين والاسوياء كما هو مسؤول عن رصف دروب التعلم للمتأخرين دراسيا، وأولئك الذين يعانون من صعوبات التعلم، وهو وحده مسؤول عن تعليم الجميع بينما أرباب المهن الاخرى مسؤولون فقط عن التعامل مع من يحتاج الى خدماتهم، الطبيب مثلا يداوي المرضى، اما الاصحاء فلا حاجة لهم الى الطبيب ولا هو مسؤول عنهم، التاجر مسؤول عن تجارته ولا علاقة له بالفقراء أو الاغنياء، القاضي يحقق العدل بين المتخاصمين وليس مسؤولا عمن لا يصل اليه. الا المعلم... الا المعلم هو وحده مسؤول عن «مستوى» التعليم بين مواطنيه، بل انه مسؤول عن «تقدم الزراعة والصناعة أو تأخرها» ومسؤول حتى عن سلوك المجتمع، يصيب احدنا فنقول انه التعليم، يخيب بعضنا فنقول انه التعليم، وهذه المسؤوليات الخطيرة بقدر ما هي صعبة هي تشريف للمعلم وتعزيز لمهنة التعليم، انها هي التي تحرك المجتمع ليتطلع الى غد افضل يحققه أبناؤه جراء مستوى ونوعية تحصيلهم العلمي. أتفق مع المتطلعين الى المعلم والى مهنته.. بأننا نطمح الى بناء مجتمع معرفي ونتوق الى مستقبل يؤهلنا ليس للتحضر والتمدن فقط بل الى نقل التحضر الانساني والتمدن الاخلاقي الى غيرنا من الناس، وهذا ضمن مسؤوليات المعلم. وأنوه، بل وأقرر، ان أي تدنٍ في مستوى التحصيل الدراسي لدى الطلاب يعزى الى قصور المعلم في تأدية واجبه، ولعل هذا القصور أصبح ظاهرة بين كثير من طلاب المراحل الدراسية «من روضة الاطفال وحتى الجامعة» ولعلي أقرر ايضا ان كثيرا من معلمي المدارس وأساتذة الجامعت غدوا لا يبالون ولا يهتمون بمستوى التحصيل الدراسي لدى طلابهم. وينبغي ان أنوه مرة اخرى بأن رسالة المعلم والأستاذ لا تنحصر في نقل المعلومات فقط، فهي تتعدى ذلك الى التأكد من مستوى كل طالب أو طالبة، والى ان يقوم كل طالب أو طالبة بتطبيق ما تعلمه، ناهيك عن مسؤولية المعلم والاستاذ عن اخلاق وسلوك الطلاب. اذا قلت ان المعلم (في المدرسة والمعهد والكلية والجامعة) هو حاضن حقيقي للحضارة فان هذا اللقب لا يتحقق الا بعدما تعتمد خطة المعلم أو المعلمة تجاه طلابه أو طالباتها على: «1» المنهج الدراسي ليكون مفتاحا للتعلم «2» وتدريب طلابه على تطبيق ما يتعلمون «3» تمكين طلابه من امتلاك القدرة على تحليل ما يتعلمون «4» أن ينقل طلابه الى استشراف المستقبل من خلال الغايات والاهداف التي يجب ان يحددها كل طالب وكل طالبة من خلال ما يدرسه أو يطبقه أو يحلله. ان المدرس بقدر ما هو ناقل للعلوم فهو حارس على التراث الذي نبني عليه الحاضر، وهو أمين على الطلاب بتوجيههم نحو توسيع معارفهم ومقارنتها مع غيرهم من اجل اعداد جيل متعلم ومثقف ومنافس في مجال المعرفة. ولخطورة رسالته.. حيوا معي المعلم...