طالما كان الأدب مرآة تنعكس فيها صورة الواقع المعاش، أو مسرحا ينقل واقعا موازيا يرتدي حلة الجمال ويسير على وقع خطى الواقع، ولهذا فإن من المتوقع أن تنعكس التغيرات الأخيرة التي تمس وضع المرأة في المملكة على المنتج الأدبي. فيما يلي بعض نتاج التفكير والتأمل والتخيل، والتوقع وفق الخبرة الثقافية، وربما وفق القواعد النقدية المنفتحة على التوقع والاستشراف أيضا.. الأنا الفردية في البدء، يؤكد الناقد كاظم الخليفة أن أول ما سوف ينعكس على سطح الإبداع والكتابة الأدبية كنتيجة لهذه التغيرات المهمة في القوانين والحقوق، هو بروز الأنا الفردية للمرأة، وأول جنس أدبي سيعكس هذه الثقافة هو الجنس السردي، فإذا كان الشعر قد سبق السرد في استشراف هذا الحلم وتمثله كرغبات وأمان مستقبلية، فإن السرد سيكون تقريرياً في هذا الجانب وسيكشف عن مقدار هذا التغيير. فالفضاءات التي كان السرد يتخذ منها أمكنة ومسرحاً للحكاية، سيحدث فيها انزياحة نتيجة لتغير أسلوب الحركة وحريتها وكذلك نمط المعيشة التي سيتغير حتماً نتيجة لتبدل الخطاب الثقافي. أما الشعر فسيبحث عن شواغل أخرى جديدة تماشياً مع الواقع الجديد محمولاً بشغف الذات وتطلعها نحو الأفضل. هذا بالنسبة إلى المرأة، أما عندما نذهب إلى الرجل في استكشاف مدى انطباع هذا التغير في خطابه وكيف سيتأثر إبداعه، فسوف نستطيع تحديده في اتجاهين: الأول عقلي، ونتوقعه في النظر إلى المرأة ككيان موازٍ له مع فارق الجنس وما يحمله من صفات بيولوجية مختلفة، والأمر الثاني هو عاطفي ويكمن في شعوره لفقده ميزة الحماية والرعاية المبالغة عندما كانت المرأة توازن إيقاعها في الحياة وفق إرادته وظروفه. انعكاس أدبي من جهته يقول الكاتب فاضل العماني: أعتقد أن المتغيرات الجديدة التي أعطت المرأة كثيرا من حقوقها سينعكس بدون شك على كل مصادر وحالات وتفاصيل المجتمع، وهو ما سينعكس بالضرورة على المجال الأدبي، وهو ما سيغير بلا شك في المفردات والمضامين. واضاف: الآن نحن نتعامل مع المرأة بكامل الفكر والأهلية وليست تلك الصورة النمطية المشوهة بأنها ناقصة أو ملحق للرجل، ففي العهد والمرحلة الجديدة كل المؤشرات والآفاق تشير وتؤكد أن ما يحدث من تحولات كبيرة جدا في إعطاء المرأة حقوقها بشكل عام سوف ينعكس في الروايات الجديدة والكتابات الجديدة وما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا في الدراما. تبديل المواقع فيما يقول الشاعر حسن الربيح: الانعكاس لا يمكن أن تظهر آثاره في وقت وجيز، لا بد من فترة نتلمس خلالها شيئا من متغيرات الكتابة الأدبية، قد تغيب بعض هموم الكتابة بحكم منحها للمرأة، وفي المقابل ستستجد هموم تطالب بحقوق أخرى، فلن نرى مثلا في الايام القادمة معاناة وانتظارا لقيادة المرأة للسيارة، ومن يكتب عنها، فهذه مرحلة أصبحت من التاريخ. مرآة ناعمة وتؤكد الشاعرة رجاء البوعلي أن التحولات الثقافية المتسارعة التي تشهدها المملكة تعتبر دعامة أساسية لتحقيق رؤية 2030 وتضيف: إحدى هذه التحولات هو ما نشهده من تمكين للمرأة السعودية ومنحها مزيداً من الحقوق والمساحة الحرة للمشاركة الوطنية الفاعلة على جميع الأصعدة؛ الأمر الذي يدفعنا لترقب إنتاج مميز في الفترة القادمة. والإنتاج الأدبي كأحد مصادر المحاكاة الزمكانية سيشهد تغييراً تدريجياً هو الآخر، فبطبيعة الحال سيكون وقوف المرأة شريكة للرجل على منصات عدة؛ لنضج تجربة المرأة في الحياة بشكل عام والأدب بشكل خاص. ثم إن الكتابة الأدبية هي مرآة ناعمة لانعكاس قضايا الفكر والمجتمع والسياسة والتاريخ في صياغة أدبية بليغة، يزداد وهج هذا الانعكاس بازدياد عمق التجربة وهذا ما يميز بين أديب منفتح وآخر منغلق يصيغ الصورة الكبيرة بمقاسه الصغير. ألق ثقافي يقول الباحث علي الحرز: في تصوري إن ما حققته المرأة في هذه الفترة من حق مشروع وطبيعي حرمت منه على مدى أجيال، حيث كانت في الماضي البعيد تختفي تحت مسميات وهمية عندما كانت تكتب مقالا أو قصيدة في مجلة او جريدة خوفا وتقية من المجتمع الذكوري، لذلك أعتقد ان القرارات الشجاعة الأخيرة التي مكنت المرأة من المشاركة في تنمية وخدمة الوطن في جميع المجالات ستنعكس على المنجز الثقافي مما سوف يرفد الساحة الثقافية ويدفعها إلى التألق. وقت للواقعية وتقول الكاتبة ريم المحمد: في اللحظة المبكرة لن يتغير شيء ولن ينعكس هذا عليها بشيء لأن العامل المؤثر ليس قيادتها بل انخراطها في العالم التقني والرقمي وهذا هو الذي أعاد صياغة تجربتها، وهو ما سيخرجها من كونها امرأة مستهامة بالحلم إلى واقعية الشارع بكل مكوناته بعد أن كانت معزولة وتتعاطى العمل مع بنات جنسها فقط.