«هطول لا يجيء» نصوص قصيرة جدا، صادرة حديثا عن دار تشكيل للنشر والتوزيع للكاتبة زكية العتيبي، جاءت جميع النصوص موجزة في لغتها مكثفة جدا في رؤيتها التي تتناول مواقف إنسانية وقضايا ومشاهد اجتماعية متنوعة، يتمحور معظمها حول المرأة وعلاقتها بمحيطها الأسري والاجتماعي، وموقعها منه. إنها أشبه ما تكون ب «فلاشات» أو لقطات تصويرية مصحوبة بتعليقات الكاتبة عليها، مما جعل معالجة مثل هذه المواقف والمشاهد يطغى عليها الصوت الخارجي للكاتبة نفسها وذاتها وعاطفتها، وهو الأمر الذي أدى - بدوره - الى غياب الصوت الداخلي للشخصيات، أو لنقل: أدى الى تقليصه، أو اخفاته الى حد بعيد! وكمثال على ذلك، نص قصير جدا لا يتجاوز ثلاثة أسطر، جاء بعنوان «سعادات عابرة»: «يطفئ بعض أوجاعه، بمشاركتها لبعض تفاصيلها التي لا يعبأ لها أحد. يعرف كيف يقطف من قلبها فرحة عابرة، يؤثث بها مقعدا لبقية يومه البائس، دون أن يتورط بقلبه، الذي ظل حبيس الأضلاع». المجموعة: ص16. ففي هذا النص - كما مر بنا – نلاحظ غياب الحوار الداخلي بنوعيه: الفردي والجماعي، بين الرجل، الذي عبرت عنه الكاتبة بضمير الغائب «هو» وبين المرأة التي عبرت عنها أيضا بضمير الغائبة «هي» كي يبقى الحديث «خارجيا» للكاتبة - وحدها - عن «سعادة عابرة» بين هاتين الشخصيتين، اللتين لم تحسنا - رغم حبهما لبعضهما - اغتنام فرصة الشعور بالسعادة. وهكذا الحال لمعظم النصوص التي ضمتها المجموعة، والتي كانت الكاتبة حاضرة من خلالها بقوة، عن طريق استخدامها التحليل الوصفي، لتكون بديلا عن حوارية الشخوص سواء كان حوارا فرديا، بطريقة «المونولوج» أي حوار الشخصية مع ذاتها، أو كان حوارا بين شخصيتين أو أكثر«الديالوج». ومع ذلك كله تبقى لغة الكاتبة من خلال مجموعتها لغة قوية ومؤثرة وسليمة، وقائمة في مفرداتها وتراكيبها على الايجاز والاختزال، وفي أسلوبها على الواقعية التي تتخذ من الحياة اليومية، وعلاقة الانسان بمحيطه أرضية خصبة لها، تستمد منها مادتها وأفكارها، وتعبر عنها بالشكل المناسب.