يأخذ الجحود أشكالا عدة في التعبير عن نفسه.. كما أن درجاته تتفاوت بين اللؤم، أو النكران المتطرف.. فالجاحد اللئيم لا ينكر فضل المحسن له بل يتجاوز ذلك إلى الإساءة له.. أما الناكر المتطرف فهو ذاك الذي يجحد الإحسان وهو غارق فيه.! العقوق بدرجاته شكل من الجحود، سواء كان عقوقا للوالدين أو الوطن أو لأصحاب الفضل أو الإحسان بأنواعه، المادي أو الأخلاقي أو إحسان المعشر.. لن أتحدث هنا عن النوع اللئيم من الجحود، فأصحاب هذا السلوك مصابون بعلة جينية فطرية -وأحيانا مركبة تجمع بين الجيني وسوء التنشئة- لا حل لها إلا بالمعجزات الإلهية.. سأتحدث عن الجحود المكتسب، فهذا النوع هو نتاج تدنٍ في الوعي الحقوقي والتأثر ببعض علل الثقافة السائدة.. فالمصابون بهذا النوع من الخلل لديهم عوج في فهم الحقوق بشكل عام، فعلتهم تظهر في كونهم يعانون شرها حقوقيا لا ينتهي إلى مبتغى واضح، ويعتقدون أن كل ما قدم لهم في الحياة هو حق مكتسب إجباري لا يفرض عليهم التزامات معينة، وحتى لو قدموا بعض الالتزامات مقابل حقوق معينة، يقدمونها بصورة متدنية أو محقونة بكثير من المِنة.. لذا أبسط سمة تظهر عليهم هو كثرة السخط وعدم الرضا، ويظهر جحودهم في نكران حاد لمعظم عطايا الحياة والقدر.. وهذا النوع من الخلل الفكري تم استغلاله من كثير من المنظمات السياسية والحزبية وأيضا الحقوقية، فهي تستغل هذه النزعة في الأفراد المعتلين بها، لتخلق نوعا من السخط في نفوس العامة تجاه واقعهم، الذي تصوره لهم على أنه واقع مجحف يسلب كثيرا من حقوقهم.. المشكلة ليست خلق مزيد من الحقوق واحترام الحريات للأفراد، فهذا مؤشر تحضر ورقي في حياة أي مجتمع، المشكلة تظهر في العلاقة الطردية بين إعطاء الحقوق وزيادة التمرد والجحود عند بعض الفئات.. هذه الفئة التي تجعلنا نتخوف من تنامي نزعة التوحش الإنساني إذا أعطي الفرد امتيازات وحقوقا عالية ومتفردة في البيئة التي لا تفهم معناها.. أعتقد أن الوعي العام لدى البعض يحتاج إلى ترقية، لفهم أن الحقوق التي يحصل عليها الفرد يقابلها التزامات أخلاقية وعملية، وأن هذا ينسحب على كل التعاملات الاجتماعية والإنسانية وأخيرا الوطنية.. للجحود لغة خائنة غادرة، وقعها سام على من يتلقاها، تأخذ أشكالا عدة قد يكون أبسطها الصمت في وقت الحاجة للكلمة الحق.. أخيرا.. الأشخاص الذين يشعرون بالامتنان والفضل للبشر والأقدار والفرص الحياتية التي قابلتهم، هم أكثر الناس حظوة بالرضا والخلق النبيل..