إسداء المعروف وصنع الجميل من مكارم الأخلاق، ومن الإحسان الذي يفترض أن يقابل بمثله لقوله تعالى (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان) ليس من القيم أن يكون جزاء المعروف والجميل النكران والجحود، لأن هذا هو اللؤم الذي يتنافى مع طبائع النفوس السوية، ومن الصعوبة بمكان أن يكون ناكر الجيمل سويًّا في نفسه، ومستقيمًا في طبائعه وسلوكه. نكران الجميل عقوق وتمزيق لقيم المجتمع، وكثيرة هي النماذج التي نسمع عنها ونراها منها عقوق الوالدين بنكران جميلهما، وقد يبلغ هذه النكران بالبعض إلى رمي والديه أحدهما أو كليهما في دار العجزة، أو لدى آخرين أبعد صلة، وأبعد قرابة بعدما تحالف عليهما المرض والهرم، أو آخر تنكر لجميل ومعروف لمعلم فاضل حين كان على مقاعد الدراسة، أو لمدير كان سببًا في الارتقاء بمستواه الوظيفي، أو صديق مخلص كان إلى جانبه بماله وجاهه وأفكاره ومشورته، أو لزوجة مخلصة كانت وراء ثراء زوجها واستقرار، ثم يقابل كل هذا بالمثل المعروف (جزاء سنمار)، أو بالمثل الشعبي الآخر (جزاء المعروف سبعة كفوف)! هذا ليس من المروءة والاخلاق في شيء، وربما جعل البعض يتردد في فعل الجميل للآخرين وإن فعله فربما على نحو أقل وبخطوات محسوبة، نكران الجميل تمرد على القيم ولآمة، وهروب جبان من مقتضيات المروءة، نكران الجميل مكابرة زائفة، وفشل في العقلية يرقى بصاحبه إلى حسد الآخرين على النجاح حتى لو كان هذا النجاح في خدمته ولصالحه. نكران الجميل عاهة يحتاج التخلص منها إلى الوقوف مع النفس ومراجعتها، واستشعار قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم)، وقول الرسول الكريم «من أسدى إليكم معروفًا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه».