الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.. ينصر أولياءه، ويخذل أعداءه، ويحفظ من حفظه، وقد شرفنا في هذه البلاد المباركة بحفظ ما وجب من الدين، والاعتزاز بسنة سيد المرسلين، صلى الله عليه وسلم، والتواصي بذلك لكسب رضا رب العالمين، لا ندعي الكمال ولكننا نسعى لأن نكون الأفضل، ونعترف بالقصور لكونه من طباع البشر، وننشد ما أمكن من الكمال ونتواصى به، والكمال لله وحده، جلّ في علاه. نرسل للعالم رسالة في التراحم بين المسئول والمواطن، ونثبت ذلك بلسان الحال لا المقال.. في عام 1420ه عينت قاضيا في تهامة الباحةجنوب المملكة العربية السعودية، وتبعد عن قصر الحكم أكثر من ألف ومائتي كيلو متر، وقد حكمت على أحدهم بالسجن سنة في قضية إطلاق نار، وجاءني شقيقه بعد ذلك فأخبرني بأنه قد كفت يده عن العمل بقوة النظام. فأخبرته بأن شقيقه ينطبق عليه قول القائل: «يداك أوكتا وفوك نفخ» والحكم قد اكتسب القطعية بتصديقه من محكمة الاستئناف، ونظام الخدمة المدنية صادر بمرسوم ملكي، لا ينقضه إلا الملك، وقد انتهى العمل القضائي وبقي العمل الإنساني، فأرسلت خطابا للملك فهد بن عبدالعزيز ملك البلاد آنذاك- رحمه الله رحمة واسعة-.. وأشفع في خطابي بإعادته لعمله. وجاء الرد ببرقية وجهها جلالته لوزير المعارف وقتها، وصورة لوزير الخدمة المدنية تنص على قبول الشفاعة، وإعادته لعمله لظروفه العائلية. نعم.. في هذه البلاد المباركة، الملك لا تشغله السياسة الداخلية والخارجية عن مد يده الحانية لأبنائه المواطنين، فأخضع النظام لجبر العائلة، وهذه صورة من أروع صور التراحم بين الراعي والرعية وهي صور كثيرة لا تعد ولا تحصى في تاريخ الدولة السعودية، وكلها تنبض بالمعاني السامية، والدلالات الواضحة على حرص هذه الدولة على وحدة مواطنيها وتكاتفهم، والسعي بالبلاد إلى أرقى مراتب التقدم والازدهار في ظل الدين الحنيف، أما من يحاول الإساءة لهذه البلاد التي كرمها الله بالحرمين الشريفين، أو لقادتها أو لمواطنيها، أو التقليل من شأن منجزاتها العديدة، فإنما يصدق عليه قول الشاعر: كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرّها وأوهي قرنه الوعل اللهم أدم على بلادنا نعمة الأمن والايمان، ووفق قادتها لما فيه خير البلاد والعباد، اللهم آمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد. * قاضي الاستئناف بمحكمة مكةالمكرمة ورئيس «لجنة تواصي» ونائب رئيس لجنة إصلاح ذات البين بالدمام.