كل عام وأنت بخير يا وطن، يأتي احتفالنا به وأنا خارج المملكة لظروف عمل، مما يجعلني استشعر بشكل مكثف قيمة نعمته، وبركة مكانه، ودفء هويته، ويذكر الأصمعي أنه سمع إعرابيا يقول: «إذا أردت أن تعرف الرجل فأنظر كيف شوقه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه». أترجم معنى الوطن بأنه صدق الحب بلا شعارات وادعاءات أو مزايدات شخصية، بل لانتماء صادق ممهور بالوعي، ولممارسات إيجابية تترجم الحب بأفعال شكر وامتنان، ورصيد حبنا له ليس مقاسا بوظيفة نبحث عنها، إن وجدناها أحببناه وإن تعذّرت كرهناه، أو منزلا فارها إن اقتنيناه قدسناه وإن افتقدناه نظل نشكو ونسخط كلّ حين، ولهذا فحديث الوطنية يحتاج إلى تجديد الخطاب وتحديث نسخة متخففة من نزعة البحث عن المزيد من المنافع الشخصية نحو حالة أخرى طامحة لتقديم رؤى ومشاريع تنموية. أتذكر عبارة قرأتها للمفكر العراقي علي الوردي يقول فيها: «طيلة مكوثي في أمريكا، لم أسمع أحدا يتفوه بدعوى حب الوطن أو وجوب التضحية في سبيله، ينسون الوطن في أقوالهم ويخدمونه في أعمالهم». وهذا ما تؤكده مقولة الفارابي: «لا دولة فاضلة دون مواطن فاضل»، ولهذا فالمحور الأساسي في تخطيط المجتمعات المتقدمة هو تعميق الشعور بالانتماء لدى شبابها؛ لأنه يمثل حجر الزاوية في حياة تلك المجتمعات واستقرارها وتماسكها؛ بل ومن الدوافع الرئيسية لتقدمها. أحب أن أمارس مفهومي للوطنية بتنمية مبدأ الشكر لله على نعمة الوطن الآمن وعلى رغد العيش، لاستقبال المزيد من الخير، وقناعة بأن عدم الشكر مدعاة لزوال النعم، وحولنا الكثير من الدلائل المؤكدة، وأن أطرح دوما على نفسي سؤال جون كنيدي الأشهر «لا تقل ماذا قدم لي وطني؟ بل قل ماذا قدمت أنا للوطن؟».