أجمع مجموعة من أساتذة النقد على أن المثقف يعيش حالة اغتراب مجتمعية ما يدفعه في كثير من الأحيان للانسحاب والعيش في الظل، مشيرين للرسالة الخلاقة للمثقف والتي تحمل أهدافا إنسانية وحضارية ومدنية تسعى لتجاوز العديد من الخلافات الايدولوجية والعرقية والطائفية، لذلك يحتاج المثقف لمناخ من الحرية لحمايته وتشجيعه على الإنتاج الأدبي والإنساني لخدمة مجتمعه. موجه للمجتمع يرى الباحث الأكاديمي والأديب مرزوق بن تنباك، أن المثقف جزء من المجتمع الذي ينتمي إليه وأن قيم المجتمع هي التي كونت ثقافته وعززت رؤيته في شكل عام، إلا أن المثقف مع واجب المحافظة على القيم العامة والاتساق معها له الحق في مناقشتها وتقويمها، وإمعان النظر فيها لقدرته على الفرز الطبيعي لما يصلح لمكان وزمان معين وما لا يصلح. وتابع بن تنباك: «المثقف جزء من المجتمع متعامل بثقافته متفاعل معها ينتقي من عام الثقافة ما يريد نشره وإذاعته في الناس وإحياء العمل به، وتقريبه حتى لا يكون غريبا على العامة وبهذا الوعي يكون المثقف موجها للمجتمع الذي ينتمي إليه، ومقدرا للثقافة العامة حريصا على احترامها بشرط ألا تستعبده الثقافة بل يكون هو الموجه لها، كما أن المثقف صاحب رأي كونته خبرات وقراءات وتجارب ومعتقدات أيضا، ومن الطبيعي أن تختلف الأراء والخبرات وتتنوع التجارب». ضبط الهوية وعن المثقف وسيره في ركاب قيم المجتمع، قال الناقد وأستاذ الأدب والنقد بجامعة الامام عادل الغامدي: «تكمن إحدى مشاكل المثقف وخاصة المفكّر في ضبط هويته، فهو مطالب بالانخراط في اتجاهين مختلفين، الأول إظهار انتمائه لأنساق مجتمعه وثقافته، والآخر في الخروج عن هذه الأنساق ونقدها ومحاولة تطويرها أو تغيير أنماطها، والجهد المبذول في المواءمة بين هذين الاتجاهين يفاضل بين المثقفين ومدى تأثيرهم في مجتمعاتهم». وأضاف الغامدي: «للمثقف دور مهم في محيطه، فهو محرك اجتماعي من خلال قدرته على الاستشراف وتحفّزه الدائم للتفكير والتنقيب واقتراح الأسئلة، ومثل هذا الدور تتعاظم أهميته في مجتمعات تدمن حفظ الإجابات الجاهزة وتناقلها، فتتوقف خطاباتها عن النمو والتطور، ويصبح التحديث مشكلة أخلاقية وتهمة إيديولوجية، إن المثقف لا ينتج قيما ولا يشيّد خطابات لكنه عنصر مهم في تحفيز المجتمعات لتطوير قيمها وقبول تحديث خطاباتها». وتابع: «إحدى مساوئ المجتمعات احتكار صناعة النخب الثقافية، وتأطيرها في مؤسسات رسمية، لكن ما نشهده اليوم هو بداية تصدّع تلك الحواجز المنيعة، فصناعة الثقافة أصبحت فعالية اجتماعية تقدّم من خلال منابر جديدة في وسائل التواصل، لتنشأ خطابات ثقافية مختلفة تواكب اهتمامات الناس وتتلون بأسئلتهم، وهذا أضعفَ أبوية النخبة المثالية وأسقط كثيرا من رموزها التي قادت خطابات المجتمع لفترات طويلة». حالة اغتراب فيما يرى أستاذ النقد بجامعة الباحة د. سعيد الجعيدي، أن تأثير المثقف في مجتمعاتنا العربية محدود جدا إن لم يكن معدوما، لافتقاده للشرعية المعترف بها من قبل السلطة الرسمية والمجتمعية، مشيرا إلى أنه حتى وإن وجدت تلك الشرعية فستكون في نطاق ضيق جدا، حيث لا يملك المثقف الأهلية داخل المجتمع ليتمكن من المساهمة في تغييره للأفضل، كما أنه يعيش حالة اغتراب ما يدفعه في كثير من الأحيان للانسحاب والعيش في الظل، لا سيما وأن وعي مجتمعاتنا مغيب لصالح أيديولوجيات معينة، وهي في خصام دائم مع المثقف الحقيقي الذي لديه رسالة مفارقة عن الأيديولوجي وتصطدم به أحيانا. وقال د. الجعيد: «رسالة المثقف تهدف لغايات أخلاقية تقدمية ذات بعد إنساني وحضاري ومدني وتسعى لتجاوز الخلافات الإيديولوجية والعرقية والإثنية والطائفية»، مشيرا الى أن المثقف وفق هذا التصور هو أحوج ما يكون لمناخ من الحرية والمسؤولة والشفافية الواضحة والحماية والتشجيع؛ وهذا يجعلنا نطرح تساؤلا عن موقع مجتمعاتنا من كل ذلك، فعند ما يتحقق الحد الأدنى من هذه الأمور يمكن عند ذلك مساءلة المثقف ومحاسبته على دوره اتجاه قضايا مجتمعه، ولكن قبل أن يتحقق ذلك يبقى المثقف في حالة كر وفر، حضور وغياب، بحسب ظروف مرحلته التي يعيشها.