هل يكفي التجريب ليكون معيارا لقصيدة النثر؟ أثار هذا السؤال رأي للشاعر محمد عيد إبراهيم عندما قال: «هي (يعني قصيدة النثر) أساسها ومنبتها التجريب الدائم» ولم يخطر بباله ان جميع الفنون من أسسها التجريب الدائم.. ولا يمكن أن يكون التجريب فقط هو ما يحدد قصيدة النثر؛ لأن جميع الفنون وليس فقط قصيدة النثر أحد اسسها التجريب فمنذ الشعر الجاهلي الذي امتد لقرون اعتراه التجريب ولذلك نرى تعدد البحور الشعرية والتي لم تُقعَّد إلا بعد سنين طويلة من إبداعها على أيدي نقاد كبار درسوا الظاهرة ووضعوا لها المعايير التي استنتجوها. وذلك ما حدث عندما استمر التجريب نتيجة تغير الظروف الزمكانية في الشعر الأندلسي، وهو ما نراه مع قصيدة التفعيلة وما سيحدث اليوم مع قصيدة النثر عندما تتوفر الدراسات النقدية الجدية لمعايير هذه الظاهرة الأدبية. ومصدر الرأي الذي يقول ان التجريب هو اساس ومنبت قصيدة النثر هو الرأي الغربي (الأوروبي والأمريكي) الذي باسم الحداثة جمع كل ما كتب وسماه كتَّابه (قصيدة نثر) وصنفوه تحت مسمى (Prose Poem) فهناك الطرفة التي يرويها النص وهناك كذا وكذا وليس هناك أي استخلاص نظري لما يجمع هذه النصوص غير تسمية أصحابها لها «قصيدة نثر»، وليست هناك معايير أخرى مما تراكم عبر تاريخ الشعر كالتصوير الفني المدهش والازاحة والاشتغال على الإيجاز غير المخل والإيقاع والترابط والمفاجأة والدهشة التي تتركها القصيدة في نفس القارئ وغير ذلك حتى فقد مصطلح قصيدة معناه. ومن المؤسف حقاً أن يكون بعض المشتغلين في الأدب، وخصوصا قصيدة النثر، قد تخلّوا عن الارث الغني للشعر العربي تماما وانحازوا كلياً إلى وجهة النظر الغربية هذه وكأنهم صفحات بيضاء يكتب عليها الآخرون ما يشاؤون!