قبل خمسة وثلاثين عاما، وتحديدا في العام 1973 في بيروت، وفي جلسة خاصة مع بعض الأصدقاء الخليجيين، فاجأنا صديق يمني من عدن بحضوره مصحوباً بصديقه «كيم» من كوريا الشمالية. كيم كان في اليمن الجنوبي - آنذاك- في زيارة خاصة وهو في طريق العودة إلى بيونج يانج، عاصمة جمهورية كوريا الشمالية. تحدث إلينا كيم باللغة الإنجليزية مع بعض البهارات باللغة العربية. كانت مهمته في زيارة المنطقة تقتصر على تعريف الشعوب العربية -هكذا- على «الزوتشية» كفكر وممارسة. ما فهمنا منه باختصار شديد أن الزوتشية هي خلاصة أفكار الزعيم المؤسس لجمهورية كوريا الشمالية كيم ايل سونج «المحبوب من أربعين مليون كوري». أفكار زوتشية تقوم في المجمل على الاعتماد على الذات، وهذه الذات تقوم على الانصهار المتنامي بين الزعيم والشعب تمثل إضافة خلاقة ورائدة على الماركسية الموجودة في الاتحاد السوفييتي وجمهورية الصين الشعبية. وعندما جادل البعض بأن كوريا الشمالية هي بلد شيوعي يقوم على نظام الحزب الواحد ويعتبر نفسه جزءا من دول المواجهة، قال نحن نتفق معهم في مواجهة الإمبريالية الأمريكية وفي هذه المواجهة نحن نتقدم عليهم؛ لأن الزوتشية «توظف» كل الظوهر لمصلحة أفكار الزعيم المنصهرة في أرواح كل الكوريين.. انتهى اللقاء «بموافقاته اللطيفة والمقتضبة» على كل تعليقات البعض مع الإصرار على تكرار ما كان يقوله للتو حرفيا. بعد ذلك، وبعد المتابعة غير المنتظمة للتطورات التي توالت على كوريا الشمالية منذ وفاة المؤسس ووصولاً إلى روحه في الزعيم الحالي كيم جونج اون، لم تعد تفاجئني لسوء الحظ تأثيرات الزوتشية لا على الزعيم ولا على الكوريين الشماليين، وبخاصة في مراسم البكاء الجماعي الذي يبدو أن فيه الكثير من الواقعية المأساوية. المواجهة اليوم بين كوريا الشمالية والولايات المتحدةالأمريكية ليست مواجهة تقليدية بين نظام شيوعي أو اشتراكي كحال المواجهة مع كوبا أو فنزويلا، بل هي مواجهة ضد نظام «مارق» في نظر أمريكا أولاً ونظام يقوم على اعتداد قومي متطرف عماده الزوتشية التي لا توفر التوظيف المباشر في سبيل بقاء سلالة الزعيم المؤسس ونظامه في سدة الحكم حتى لو استدعى الأمر«هدم» بعض المنشآت النووية كما حدث في الماضي القريب أمام أنظار مادلن أولبريت وزيرة الخارجية الأمريكية في مواجهة لم تكن أقل إثارة. المشهد اليوم يعد بمزيد من الانزلاقات والتصعيد في حدود الكلام. الرئيس دونالد ترامب يعد بمزيد من القوة في التهديد وكيم جونج اون يضيف مزيدا من التفاصيل ليس فقط في كيفية «المرور فقط» فوق جزيرة جوام الأمريكية بل وفي عدم تحديد موعد محدد لانطلاق الصواريخ الباليستية. هذا لا يقود بالضرورة إلى الاستهانة بما قد يحدث من أخطار يدرك وزير الدفاع الأمريكي قبل غيره «كارثيتها» كما يقول في تصريحه الذي تلا مباشرة تهديدات الرئيس دونالد ترامب. الخطأ البشري لا يقتصر على التصريحات بل قد يمتد لبعض سوء التقدير في نوع الردع. ما يمكن أن يمثل رادعاً احتياطياً في السلوك هو ما تقوم به الصين استناداً إلى أفكار دنج هسياو بنج «الإصلاحية».