تعرف الأمراض المُعدية بأنها الأمراض التي يكون سببها ميكروبًا مُعديًا يمكن انتقاله من إنسان لإنسان أو من إنسان لحيوان أو من حيوان لحيوان أو من البيئة للإنسان والحيوان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد يكون بعضها جديدا أو مستجدا ومستوطنًا في منطقة جغرافية محددة. أما المرض المعدي الجديد فهو الذي ظهر خلال العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية ولم يكن يعرف من قبل مثل عدوى فيروس سارس ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية لفيروس كورونا. وأما المتجدد فهو المرض الذي كان موجودا من قبل ولكن اكتسب مسببه خاصية المناعة بسبب عوامل عدة أهمها التحور الوراثي وظهور سلالات جديدة مقاومة للأدوية فأصبح أكثر انتشارا وضراوة مثال فيروس الأنفلونزا. وأما المرض المعدي المستوطن فهو المرض الذي يتواجد بشكل دائم في منطقة جغرافية محددة، وقد يكون سبب وجوده الدائم مرتبطًا بوجود عامل وسيط أو مساعد يضمن استمرارية الحفاظ على الميكروب المُعدي المسبب للمرض بتلك المنطقة الجغرافية مثل البلهارسيا في أرياف مصر وحمى الوادي المتصدع في بعض مناطق افريقيا، وفي الغالب من الصعب استئصال الأمراض المستوطنة، ولكن يمكن التحكم والسيطرة عليها من خلال مكافحة الناقل أو العائل الوسيط وأيضا من خلال توفير اللقاحات المناسبة ورفع الوعي والاهتمام بالصحة العامة بما في ذلك النظافة الشخصية والعامة، والنظافه من الإيمان. قد لا تخلو منطقة في العالم من وجود مرض معدٍ مستوطن فيها خاصة الدول التي تنخفض فيها المستويات البيئية وينتشر فيها الجهل بالسلوك الإنساني السليم ونظام المعيشة الذي يساعد على تجنب حدوث العدوى. ومن الأمراض المعدية المستوطنة المسجلة عالميا والتي تشكل خطورة بالغة على الصحة العامة الأمراض الطفيلية مثل البلهارسيا والليشمانيا والتي تعوق التطور في الكثير من المناطق الاستوائية. وهي تتواجد في بعض مناطق المملكة مثل جيزان ونجران وعسير. وأيضا ظهرت بعض الأمراض الفيروسية الجديدة خلال العقدين الأخيرين في بعض المدن السعودية واستوطنت بها مثل حمى الضنك والتي لا تزال مستوطنة حتى وقتنا الحاضر بسبب وجود العامل الناقل وهي البعوضة المصرية الزاعجة. ورغم ما تقوم به الجهات المعنية لمكافحة هذه الأمراض التي أصبحت تشكل تهديدا واضحا في امتداد مساحة الانتشار وزيادة أعداد المصابين إلا أن المشكلة لا تزال قائمة حيث تزخر السجلات الطبية بأرقام وإحصائيات تؤكد تعثر احتواء تلك الأمراض. في ظل تزايد عدد حالات الأمراض المستوطنة مثل حمى الضنك التي سجلت ما يقارب 4000 حالة خلال الشهر المنصرم في مدينة جدة فإن هذا يشير لوجود حاجة لتضافر الجهود بين الجهات المختصة والباحثين بمجال الأمراض المعدية من خلال إنشاء مركز وطني متخصص مستقل للأمراض المعدية سواء كانت جديدة أو مستجدة أو مستوطنة، حيث يتم بواسطته استقصاء ودراسة جميع هذه الأمراض في المملكة عن طريق المراقبة المستمرة والملاحظة الدقيقة لتوزيع وانتشار وفهم طبيعة تغير هذه الأمراض والعوامل المتعلقة بها بهدف الوصول لأفضل الوسائل للمكافحة الفعالة والحد من توسع انتشارها. عملية الاستقصاء الوبائي لأي مرض مستوطن يجب أن تتخطى المسؤولية التقليدية عن التبليغ عن الحالات ورصد عددها إلى التعرف على نوع وحجم المشكلة المستمرة من حيث أماكن حدوث المرض، وقت حدوثه، عدد وطبيعة الأشخاص المصابين والعادات المجتمعية التي تسببت في حدوثه والذي سيساعد في الوصول لمعرفة أفضل وسائل المكافحة والسيطرة والتحكم بالمرض. وهناك العديد من هذه المراكز حول العالم ولعل من أشهرها مركز CIDRAP التابع لجامعة مينيسوتا الأمريكية والذي أنشئ عام 2001 والمعني بالدراسة والبحث في الامراض المعدية بأنواعها ورفع التوصيات المبنية على دراسات للجهات المختصة بالصحة العامة للحد والسيطرة على الامراض. أيضا مركز ICID الكندي والمسؤول عن دراسة الأمراض المعدية في كندا والعالم وجمع المعلومات وعمل الدراسات لوضع خطط وبرامج تساهم في رفع مستوى الصحة العامة. أما في الشرق الأوسط فيوجد معهد مختص بدراسة الأمراض المستوطنة في السودان والتابع لجامعة الخرطوم والذي تم إنشاؤه عام 1993، ومهمة المعهد الرئيسية بحث ودراسة الأمراض المستوطنة في السودان وإيجاد حلول عملية للسيطرة عليها. في ظل ظهور أمراض معدية جديدة وأخرى متجددة حول العالم والتي أغلبها فيروسية ذات مصدر حيواني وفي ظل توافد عدد كبير من البشر من جميع أصقاع الأرض للمملكة إما للعمل أو لتأدية مناسك الحج والعمرة نحن بأمس الحاجة لإنشاء مركز وطني للأمراض المعدية. حيث يسعى مثل هذا المركز لتوفير الإحصائيات الوطنية والدراسات الميدانية التي ستساهم في وضع إستراتيجيات وبرامج للحماية والوقاية من هذه الامراض وخفض معدلات المرض والوفيات والتوصية بها للجهات التنفيدية. وسيخفف دور مثل هذا المركز العبء ويساعد جهود الجهات المختصة بالوقاية والسيطرة. ومن مهام هذا المركز الرئيسية توفير مركز للمعلومات ومرجعية للأمراض المعدية والتي من خلالها تقدم خدماتها للباحثين المختصين لإجراء دراساتهم ووضع قاعدة بيانات قوية وعمل تعاون داخلي مع المراكز البحثية والجامعات ودولي مع المعامل المركزية والمختصة حول العالم.