لا يمكن قراءة ما يحصل في جرود عرسال من دون النظر الى تطورات الأحداث في المنطقة المتجهة على ما يبدو نحو اتفاق أمريكي روسي، لا دور لإيران فيه، حيث بدا واضحاً أن «حزب الله» استبق ظهور الاتفاق السياسي الى العلن بفرض أمر واقع عبر الحدود اللبنانية السورية، التي وضعها في قبضته العسكرية، أي بمعنى آخر في قبضة إيران لتحتجز طهران مكاناً لها على طاولة الحل ولتكون شريكاً مضارباً ولها دورها على خارطة سوريا الجديدة بحيث تتحوّل الشرطي الأول في مستقبل ما يسمى سوريا المفيدة، التي يرتسم عليها ملامح الدولة العلوية بغض النظر عما إذا ستكون تحت حكم بشار الأسد أم شخصية أخرى تتقاطع عليها مصالح موسكووطهران. صفقة عرسال وفي تصريح ل«اليوم»، أكد الصحافي والمحلل السياسي يوسف دياب، «أن ما يحصل في عرسال صفقة يضرب بها حزب الله عصفورين بحجر واحد، العصفور الأول أنه تم من ترحيل هؤلاء المسلحين من دون أن يتكبد المزيد من الخسائر البشرية، أما الثاني فإنه يجري فيها صفقة تبادل بين أسراه الموجودين في إدلب، الذين سبق وهددوا جبهة النصرة بأنهم سيقطعون رؤوسهم إذا لم يوقفوا الحرب على جرود عرسال، وبالفعل أوقف الحزب تحت هذا الضغط العمل العسكري، كما أنه كسب من هذه الصفقة ترحيل ما لا يقل عن عشرة آلاف مدني من أبناء القلمون الى شمال سوريا، وهذا استكمال لمسلسل التغيير الديموغرافي، الذي كان قد بدأ فيه من محيط دمشق، واليوم مستمر فيه بالقصير وحمص وفي كل المناطق». واعتبر دياب أن «الرابح الأول من هذا الموضوع هو حزب الله الذي لا يهتم بقتال المسلحين بقدر إبعاد أكبر عدد من السكان في هذه المنطقة عن مناطقهم، والدليل على ذلك قتال داعش، التي تعتبر المرحلة الأصعب ليست من أولوياته، لهذا أوكل هذه المهمة للجيش، مع العلم بأنه لو ترك الجيش والدولة اللبنانية إيجاد حل لإخراج المسلحين والنصرة من دون معركة كان أفضل». واستبعد دياب أن تكون المعركة قد انتهت بشكل كامل، وقال: «إن ايران لم تأخذ ما تريده من حربها مع الأسد ضد الشعب السوري، كما أن المنطقة تبدو متجهة نحو اتفاق أمريكي روسي، لا دور لإيران فيها، لهذا نجد حزب الله اليوم مستعجلاً للسيطرة على القلمون وهذه الجرود لكي يستبق أي تفاهم سياسي أمريكي روسي في المنطقة ويفرض أمرا واقعا في سوريا المفيدة». النفوذ الإيراني وشدد الكاتب والمحلل السياسي المعارض ل«حزب الله» لقمان سليم في تصريح ل«اليوم»، على أن هذه الرقعة التي تربط بين لبنانوسوريا لا يمكن قراءة ما جرى فيها وما يجري اليوم تحت عنوان ترحيل المسلحين وعائلاتهم، الا إذا قرأنا المشهد السوري الكبير، أي المشهد المرتبط بجملة واحدة؛ وهي معادلة توزيع النفوذ في سوريا، مؤكداً أن «ما جرى من أعمال عسكرية وما يجري من تهجير ثانٍ لهؤلاء المدنيين يهدف الى تأمين عملياً غرب حمص ودمشق، أي توسيع وتأمين رقعة النفوذ الإيراني في سوريا وجعل هذا التوسيع أمراً واقعاً لا عودة عنه». وقال سليم: «عندما تتم عملية التهجير للمرة الثانية بعد تهجير أهل المنطقة من قراهم إلى لبنان، ومن تتم إعادتهم سواء الى إدلب أو الغوطة الشرقية، نجده عملية اقتلاع نهائي لهم من ديارهم وإعلان تغيير هوية المنطقة المذهبية، تحت عنوان التحصين وتأمين الطرقات، وما يجري في لبنان اليوم هو جزء مما يجري في سوريا ولا يمكن قراءته الا من خلال المشهد السوري الكبير». وفي سياق متصل، نشرت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكيّة تقريراً عن المعارك الأخيرة التي جرت في جرود عرسال، موضحةً أنّ «حزب الله» زعم من خلالها أنّه لا يشكّل تهديداً، في ردّ على خطاب الرئيس دونالد ترامب ضدّه. كما ادعى الحزب، في رسالة أخرى الى اللبنانيين الذين يوافق بعضهم مع ما قاله ترامب، عن أنّه يضع مصالح لبنان بعد مصالح إيران. على لبنانيّة عملياته 100%، وهو الشيء المناقض للواقع بعد مشاركته في قتل الشعب السوري، محالفا ومساندا لنظام الأسد وبرعاية إيرانية خالصة.