لم أكن أعول على خطاب أمير قطر الشيخ تميم كثيرا؛ لأني تنبأت بمحتواه قبل أن يبث على القنوات الفضائية، وقلت وقتها إنه لا جديد وسيكون خطابا مليئا بالمظلومية ومفردات الحصار والروابط السرية للشعب الخليجي. ولكن ما فاجأني كثيرا هو مداعبته لمخيلات وعواطف الشعب القطري، الذي بدأ يتخوف على مستقبله ومستقبل أبنائه منذ سريان الأزمة وبدء دول مكافحة الإرهاب مقاطعتها لقطر، هذا المواطن الذي يقف على حافة لا يدري متى تقذفه فيها حكومته. تحدث الشيخ تميم عن رؤيته للاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء والتصنيع و.. و.. وغيرها من الأحلام (لا يسعني إلا أن أسميها أحلاما) فهناك فرق بين الأهداف والأحلام. وتساءلت كثيرا هل سيصدق الشعب القطري هذه الوعود التي يطلقها رئيس دولته وهي الدولة التي لم تكتف في مجالات مثل المفتي والجندي والموظف البسيط، هل ستكون قادرة على الاكتفاء بغذائها ودوائها. والمتأمل قليلا في قدرات دولة قطر في تحقيق هذه الأحلام سيجدها من المستحيلات أن تحدث حتى وإن استبعدنا أزمة المقاطعة التي بزعمه أنبتت هذه الأفكار. الاكتفاء الذاتي يُعد واحدا من الإستراتيجيات الاقتصادية المعروفة التي تلجأ إليها الكثير من الدول؛ بهدف الاعتماد بشكل كلي أو جزئي على مواردها وإمكانياتها المحلية سواء من حيث المواد الخام الطبيعية أو آليات التصنيع والمعالجة أو الأيدي العاملة. وعادة ما يساهم تحقيق الاكتفاء الذاتي في تحسين الحالة الاقتصادية للدولة ويقلل احتياجاتها للسلع الأجنبية الواردة من الخارج وله شروطه التي لا بد من توافرها لتحقيق الاكتفاء الذاتي. الوضع الحالي للاكتفاء الذاتي في قطر ووفقا لبيانات وزارة البلدية والبيئة القطرية، فإن نسبة الاكتفاء الذاتي في قطر من الحبوب (الصالحة للاستهلاك الآدمي) والخضار والفواكه واللحوم تبلغ نحو 6.6 في المائة. ودعونا هنا نستعرض قدرات قطر في سبيل تحقيق اكتفائها الذاتي: الطاقة البشرية: تمتنع الحكومة القطرية عن نشر أعداد القطريين في إحصائياتها الرسمية ولكن توقعات المختصين أنها دون 290 ألف مواطن بجميع فئاتهم العمرية من الذكور والإناث القادرين على العمل وغير القادرين منهم وهذا الرقم يمثل أول عقبات تحقيق أحلام الاكتفاء الذاتي. الإنتاج الزراعي: تواجه قطر في التوجه الزراعي بالإضافة الى صعوبة توفر الطاقة البشرية المحلية، مشكلة أخرى وهي المياه الصالحة للزراعة وهي قليلة ولا تكفي لتوفير احتياجاتها في الشرب قبل الزراعة، والمشكلة الثالثة هي الأراضي الصالحة للزراعة وتقدر ب 64.7 ألف هكتار، وتبلغ نسبة الأراضي المزروعة من إجمالي الأراضي القابل للزراعة نحو 18 في المائة. وهناك عوامل أخرى وظروف قاسية، مثل درجات الحرارة العالية جدا وخصوبة التربة وزيادة التلوث في الإنتاج الزراعي. وسيتم استنزاف المياه الجوفية التي تكون محدودة في بعض المناطق الزراعية بسرعة كبيرة بحيث ان المياه المالحة تزحف وتجعل التربة غير صالحة للجميع. الإنتاج الصناعي: الغاز هو عصب الاقتصاد القطري ويبلغ إنتاج قطر الحالي 77 مليون طن سنويا وبأياد أجنبية لعدم وجود أيد عاملة محلية تعمل في هذا المجال ولم تستطع قطر حتى الآن أن توفر الأيدي العاملة الفنية المحلية في هذه الصناعة فكيف ستوفر قطر الأعداد الكافية للاكتفاء الذاتي منها. الإنتاج الدوائي: في منتصف 2016م دخلت قطر عصر الصناعات الدوائية بتدشين المرحلة الأولى لمصنع شركة قطر الحياة للصناعات الدوائية، التي تعد من أوائل شركات التصنيع الدوائي في البلاد وتحمل الترخيص رقم 1. وبحسب الدكتور أحمد حمد الحسن المهندي - رئيس مجلس إدارة شركة قطر الحياة للصناعات الدوائية فإن المرحلة الأولى اكتملت بإنجاز 3 خطوط إنتاج بتكلفة 60 مليون ريال وتشمل الكريمات والمطهرات والأدوية الشراب. وستنتهي مرحلته الثالثة في 2022م وبطواقم فنية أجنبية تامة لا يمكن تغطيتها بالعمالة المحلية قريبا. أخيرا، من الصعب في دولة مثل قطر أن تحقق شيئا من الاكتفاء الذاتي في أي من مجالاتها وستعتمد لمدة طويلة على الدول الأخرى في غذائها ودوائها وسائر مناحي حياتها، وما كان خطاب الشيخ تميم الأخير إلا مداعبة لأحلام الشعب القطري؛ لإشغاله قليلا عن مشكلاته الحالية وما قد يواجهه قريبا من معضلات قد تمس متطلبات حياته اليومية عند عجز الدولة عن تأمينها. لمحة: ليس بالألبان وحدها تكتفي الدولة ذاتيا.