عربياً نحن مرتهَنون للخارج بكل احتياجاتنا الأساسية الغذائية والدوائية وما يتعلق بالصناعة والزراعة، والصحة وغيرها، وطالما هناك نفور من تعاون اقتصادي في مجالات لا دخل للسياسة فيها، فهل نستطيع كسر الحواجز بإعلان وإطلاق بعض المشاريع من خلال القطاعات الخاصة، وتسهيل النظم والعوائق لكيلا تكون سبباً في وقفها؟ يوم أمس نشر تحقيق موسع في هذه الجريدة عن الغش التجاري في الصيدليات الأهلية التي توسعت بشكل غير مسبوق، وباستثمارات تصل إلى ستة مليارات ريال، تأتي لصالح المورّد والشركة الأم، وعملية الغش سهلة في دائرة واسعة وفاقدة للرقابة، وهنا فإن التلاعب بالدواء، لا يقل خطورة عما يحدث بالغذاء، وخاصة الأطعمة التي تتعرض للمبيدات، أو الإضافات الكيميائية، ويكفي نموذجاً الحليب الصيني المضاف إليه «الميلامين».. المأساة أننا لو أضفنا للاستثمار بالأرقام الهائلة في الدواء، وأدخلنا معها أرقاماً عربية أخرى، وحصرنا كم المصانع في الوطن العربي التي تنتج هذه السلعة الضرورية، لما وجدنا غير مصر لديها شبه الاكتفاء الذاتي، بينما الدول الأخرى قد لا تسد ولا عشرة في المائة من متطلباتها.. يتوافر لدينا المال والكفاءات البشرية، والسوق الجائعة دائماً للدواء، وكذلك المواد القابلة للتصنيع، وتبقى الإرادة العربية هي من يعطل القافلة كيلا تسير في اتجاهها الصحيح، رغم أن هذه الصناعات لا تقودها أحزاب أو تنتمي لطائفة، أو لها لون يساري أو يميني، ولو قُدر أن تحدث معجزة بتحقيق أمنية أنْ تجتمع وزارات الصحة، وشركات الأدوية، والغرف التجارية، وكل من له علاقة بصناعة الأدوية، أو تجهيز المستشفيات وعملنا على فك سحر السياسة بعملٍ يكون بعيداً عنها بأن ينشأ «كارتل» عربي يقيم مشروعاً متطوراً لسد احتياجاتنا من الأدوية ويتعامل مع الشركات والمصانع المتطورة في العالم، وقامت في ظله مراكز بحوث عن الأمراض الوراثية، والمستوطنة، وذات العدوى التي نشأت خارج بيئتنا، لوجدنا أن هذا الطريق سوف ينقذ الملايين من الأمراض وبأدوية مصنعة محلياً، يمكن أن تحصل على معونات وقروض من دول المنطقة، لأن الأرباح في هذا النشاط مضمونة مثل بقية المشاريع الأخرى ذات العوائد الجيدة.. يوجد اعتراف دولي بخطورة (مافيا) الأدوية واحتكاراتها وربط العلماء بسلسلة من الاتفاقات والعقود التي تحفظ لها إنتاج أو إخفاء الدواء تبعاً للأرباح التي تجنيها، والوطن العربي مؤهل لأنْ يجنب شعوبنا من الوقوع في أسْر تلك الشركات، والعملية ليست معقدة، إذ توجد مصانع تدار بذات الكفاءة، ولكنها لا توفر احتياجاتنا كاملة، ثم دعونا من المكاسب المرئية، ولننظرْ إلى الكم الكبير الذي سيدخل هذه المهن من المؤهلين وغيرهم في تشغيل الأيدي العاملة من الجنسين إلى جانب كسب الخبرات وتنشيط مجالات البحث في المراكز والجامعات، كخطوات نحو تكامل عربي في الدواء..