شاهدت في اليوتيوب، وقرأت في تويتر، وعلمت من الواتساب، وتابعت في السناب، وتصفحت المواقع. وكثير مثل ذلك.. هكذا يردد بعضهم حتى أصبحت ثقافتنا مناطة بمحتوى تلك الوسائل وغيرها. أجهزتنا الذكية حولتنا بغباء إلى آلية التلقي فالتصقنا بكل آت كمصدر معرفة، وناشر للمعلومة، ومزود للأفكار، ومسير للتوجه.. لقد تعلق البعض وهم كثر بما يأتي به ذلك لدرجة انه أصبح مرجعية عميقة.. كما غدا البعض يعتمد على تلك المضامين وذلك المحتوى ومرددا لفحواها وناشرا لما اشتملت عليه..وتعدى الأمر إلى هوس البعض فلا يستطيع أن يصبر عنه. ولاشك أن اعتياد الناس وخصوصا الشباب على تذوق تلك الوجبات المختلفة وتتبع ما تأتي به يجعل ثقافة الشخص ثقافة هزيلة بل ومعاقة؛ لأنها تعتمد على مصادر غير موثوق بها بدرجة كبيرة، كما أن هذه الوسائل تمكث في متاهات لا تعرف فيها الصدق من الكذب، فهي ممتزجة بكل الأطياف والنكهات والروائح. ويكفينا ما ينهال علينا من أحاديث نبوية ضعيفة روايتها، وكثير من أدعية مصنوعة، وطلبات بالنشر لكثير من الرسائل التي يتحفظ عليها، وقصص مؤلفة، ومشاهدات كاذبة، وإثارة ممجوجة، وتناقل رهيب، وصور مركبة، ومقاطع مجتزئة.. كل ذلك يصنع نمطا ثقافيا مقيدا بمحتوى عبثي وعشوائي يخدع صاحبه. اللهث خلف تلك المحتويات دون تمحيص مؤكد ودون بحث عن الحقيقة والتثبت منها واختبار مضامينها سوف ينتج شيئا من خسارة العقل، واهتزاز في القناعات، وتأثر في المشاعر، وسرعة في التصديق، وتعجل في المبادرة، ويخطئ في الاختيار والقرار.. مما يجعله أسيرا فيسبب ضعفا في طريقة تفكيره وتقبله فيسيء التصرف والظن اعتقادا منه أن مصدر ثقافته وعلمه هو ما يؤكد فعله، ويصدق ظنه فيرى أن الحق والصدق فيما يشاهده ويقرأه من خلال تلك الوسائل ولا مجال للنقاش. فيظن بنفسه أنه مثقف وهو آلي. ويبقى القول: الثقافة الآلية هي ثقافة عابثة وملوثة تنتج رأيا هزيلا، فهي تعتمد على مصادر واهية وواهمة تجعل صاحبها يهمل المصدر الموثوق والرسمي وتعطله عن التثبت فتسبب الاختلال في الحوار والنقاش والفهم.