بعد عدة اتصالات بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، عقد اللقاء الاول المرتقب في مدينة هامبورغ الألمانية، على هامش قمة مجموعة العشرين، والذي استمر أكثر من ساعتين بعكس المدة المخططة له، والتي كانت 35 دقيقة. ناقش الرئيسان مجموعة من القضايا في مقدمتها قضيتا سوريا وأوكرانيا، إضافة إلى مسألة تدخل روسيا في الانتخابات الامريكية. أهم ما تمخض عنه هذا اللقاء هو الاتفاق على وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا والذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد الماضي. وقد قلل كثير من المراقبين والمحللين من هذا الاتفاق، والذي يعتقد ان مصيره سوف يكون كالذي سبقه في سبتمبر الماضي (2016) عندما عقد الكرملين وإدارة الرئيس السابق باراك أوباما اتفاق حلب، فبعد 11 شهرا من الجولات والتنسيق سقط الاتفاق بعد 5 أيام فقط من الإعلان عنه. الا انني مع هذا كله اعتقد ان هذه المبادرة الصغيرة يمكن ان تكون مقدمة لانفراجة كبيرة لحل النزاع في سوريا، خاصة ان تعامل ادارة ترامب مع قضايا المنطقة تختلف عن الادارة السابقة المترددة. وقطرة الماء الصغيرة على الحجر الساخن يمكن أن تغير الوضع مع الالتزام به. ولعلي أذكر مجموعة من النقاط السريعة في هذا الشأن. الامر الأول أن هذه الهدنة في جنوب غرب سوريا والتي تشمل القنيطرة ودرعا والسويداء وسفح الجولان امتداداً باتجاه الحدود الأردنية السورية واللبنانية السورية، الهدف الاول منها هو تطهيرها من التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش والقاعدة وتوحيد القوى السورية المحلية في مجموعتين كحد أقصى. الامر الذي يؤسس لأمن هذه المنطقة وينهي فوضى السلاح والرايات وتجار الحروب، ويعمل على تأمين الظروف الامنية والاقتصادية لعودة مئات الالاف من اللاجئين في دول الجوار إلى جنوبسوريا. وهو هدف تشترك فيه واشنطن وموسكو، فالتدخل الروسي في سوريا كان احد اهم اهدافه هو القضاء على المجموعات الشيشانية في سوريا قبل عودتها الى روسيا والقيام بعمليات ارهابية داخل الاراضي الروسية وتكرار الحالة الافغانية في اوائل التسعينات. الامر الثاني ان هذا الاتفاق اذا نجح في المحافظات الثلاث يمكن ان يكون نموذجا يتم تعميمه على باقي المناطق. وقد تناقلت مصادر اعلامية روسية ان هناك حديثا عن هدنة ثانية يمكن ان يعلن عنها في منتصف اغسطس تشمل ريف حمص والغوطة الشرقية. وقد تحدث عنها الرئيس ترامب كذلك في أعقاب محادثاته في باريس مع الرئيس إيمانويل ماكرون، «بأن روسياوالولاياتالمتحدة تعملان على هدنة ثانية، والتي ستشمل منطقة «معقدة للغاية»». واعتقد التعقيد هنا نابع من تواجد جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) في الغوطة الشرقية، لكن لا اعتقد انها مشكلة كبيرة فيمكن ان يصل الطرفان الى صيغة تستثنى منها جبهة فتح الشام من الهدنة او يضغط عليها للخروج من تلك المنطقة. الامر الثالث ان هذا الاتفاق يمكن ان يعمل على تحييد ايران، فايران تسعى لبسط سيطرتها على ممر استراتيجي من لبنانوسوريا عبر بغداد إلى طهران، واذا نجحت فان ذلك سوف يشكل تحولا جذريا في الوضع الامني الاقليمي ويعرقل اي جهود مستقبلية لتحقيق الاستقرار في سوريا. وبالتالي فمصلحة واشنطن هي في منع إيران من السيطرة على تلك المنطقة وتحجيم نفوذها على الأرض. ولا اعتقد ان ذلك يتعارض مع اولوية روسيا المتمثلة في حماية مصالحها في سوريا. بل ان التدخل الروسي في سوريا كان من ضمن اهدافه كذلك محاولة تحجيم الدور الإيراني المتعاظم في سوريا والحد من تنامي ميليشياتها هناك، خاصة بعد الاتفاق النووي وشبه الانفتاح والتقارب مع الولاياتالمتحدة خلال فترة اوباما، ومحاولة فرض التسوية السياسية التي تعزز نفوذ روسيا وليس ايران في سوريا وتخدم مصالحها. وأخيرا، أعتقد ان قبول واشنطن بعودة روسيا للمنطقة ضمن تفاهمات معينة وتوزيع للنفوذ في مقابل تحييد لإيران، يمكن ان يحل كثيرا من قضايا المنطقة، فروسيا بوتين تريد ان تعود الى المشهد العالمي كدولة كبرى كسابق عهدها تلعب دورا محوريا ولديها مواقع ثابتة في العالم، وسوريا هي اولى تلك المحطات.