ما هي الآلية المتبعة لمنح جائزة ما؟ وما المعايير التي يتم بموجبها اختيار العمل الفائز؟ حين يطرح هذا السؤال الذي لا أنوي الإجابة عنه، يحضر إلى الذاكرة سؤال آخر هو: مَنْ يقيّم مَنْ؟ تلاحظ مغنية الأوبرا (أراكس شيكيجيان) في لقاء معها على إحدى الفضائيات العربية، أن قدرات بعض المتسابقين الصوتية تتفوق على الناقد عضو لجنة التحكيم، مما يعني أن المفضول، وهو في هذه الحال عضو لجنة التحكيم، يقيّم إبداع متسابق أفضل منه. لكن، أليست هذه حال بعض لجان التحكيم؟ قد يقال إن قدرات الناقد المتواضعة لا تحول دون قدرته على التقييم في مجال الغناء الأوبرالي. فماذا عن الشأن الأدبي والفني؟ مؤكد أنه لا علاقة للقب الأكاديمي برقيّ الذائقة. وقد وصلتُ إلى هذه القناعة بعد الاطلاع على محاولات شعرية لبعض النقاد الأكاديميين الذين يقام لهم ويقعد. يومذاك تساءلت: كيف يتسنى لمؤلف هذه النصوص الرثة العثور على مكامن الجمال في العمل الأدبي أو الفني؟ وإذا كان صوت هذا الناقد أو ذاك قد رجَّح فوز أحد المتسابقين على غيره، فقد أعطى من لا يملك ذائقة سليمة شهادةً لمن لا يستحق. لهذا ولغيره من الأسباب والاعتبارات يحجم بعضهم عن المشاركة في مثل تلك المسابقات. كما يحجم آخرون عند الاطلاع على شروط تلك الجوائز التي لا علاقة لها بالإبداع. بعد فوز البير كامو بجائزة نوبل للأدب على منافسه نيكوس كازنتزاكي بفارق صوت واحد، صرّح كامو بأن كازانتاكي استحق هذا الشرف أكثر منه مائة مرة. عبارة تعكس قناعة البير كامو بأن الجوائز ليست معيارا للتميز، وأن حصوله على الجائزة لا يمنحه الأفضلية على منافسه. أشرت في كتابة سابقة إلى حكاية أوردها أنيس منصور في كتابه (ساعات بلا عقارب) حيث ألهمت جائزة نوبل الكاتب الأمريكي إرفنج والاس فألف رواية «فضائحية» ساخرة عنوانها (الجائزة). ولدت فكرة هذا العمل الأدبي حين كان الكاتب الأمريكي في زيارة للسويد، حيث قابل والاس أحد السويديين مصادفة، وكان الحديث بينهما سخيفا مملا كما يقول. عندئذ سأل والاس الرجل عن عمله فأخبره قائلا: «لا أعرف إن كان هذا الذي أقوم به يعتبر عملا. على كل حال أنا أحد أعضاء لجنة التحكيم في جائزة نوبل». إزاء هذه المفارقة الغريبة قرر والاس أن يكتب قصة عن جائزة نوبل التي قد يتحكم فيها أناس أقل ثقافة من المرشحين لها.