في سعيه لإبراز أهمية الخيال بالنسبة إلى الفكر البشري، يقدم جان لاكان المحلل النفسي الفرنسي لبحثه بهذه المسلمة: «الخيال ليس مماثلا للوهم»، بعدها يرتفع بالخيال إلى درجة ملفتة حيث يعتبره الفاعل الرئيسي والمنظم لعملية وعينا بالعالم ومن ثم اسباغ المعنى عليه. فهذا هو الخيال عندما يفترض فيه إمكانية انتاج المعرفة، أما عندما تكون حدود المخيلة لا تتعدى اجترار الثقافة الجاهزة والمتسربة إليها من الوعي الجمعي فهي حتما ستقود إلى ما يشبه الوهم المعرفي. نكتفي بهذا ولن نمضي بالحديث أكثر وراء الحدود الفاصلة بين الخيال والوهم، فطبيعة هذه المقدمة فرضها النص التالي للقاصة مريم الحسن «طيف»: «يدخل المطبخ يرى خيالها تجلي الأطباق تثير انتباهه مكنسة سوداء تفترش المكان..! يناديها: تكنسين الأرض بشعرك.! تبتسم: لأنه طويل.. يقترب ليرفعه، يتساقط في يده.. فتختفي صورتها، ويبقى شعرها متناثرا». هكذا هو المضمون السردي فعندما يمعن في التجريد، ستحضر الأسطورة لا محالة بحمولتها الغنية لتملأ فجوات تركتها الساردة عامدة حتى تستثير قارئها بغواية التأويل. فالقاصة في هذا النص، نراها وقد قدمت «الشعر الأسود» قربانا مقدسا كفتيات كريشنا على نهر الغانج المقدس؛ يتخلين عن شعرهن حتى ترتقي الروح ويحتفظن بالأنا المتسامية في مأمن من الوجع. «جلي الأطباق» هو الآخر فعل تطهر ويتسق مع مبدأ التأويل في أقصى حالاته المفرطة. لكن بين تجسيد الصورة ومجازها مسافة يقطعها القارئ أحيانا عندما لا يريد أن يمعن في التجريد، فيقرب الفكرة ويسقطها على واقع المرأة في المجتمع التقليدي حيث لا يرى منها سوى جانبها الوظيفي وهو في العادة مخصص لخدمة الرجل. تحت هذا المفهوم، تنفك عقدة الحبكة وتتضح رسالة النص عندما (تختفي صورتها، ويبقى شعرها متناثرا» أي في التناظر بين شعرها والمكنسة.