دعت قيادات الجاليات الإسلامية وعدد من المفكرين والمختصين بالشأن الإسلامي في العالم الدول والحكومات إلى الكف عن حضانة ودعم الجماعات المتطرفة، والانضمام الكامل إلى الجهود الدولية التي تقودها المملكة العربية السعودية في بعدها العسكري والفكري من أجل محاربة التطرف والإرهاب، مشيدين بنتائج القمة العربية الإسلامية الأمريكية التي استضافتها المملكة في نهاية شهر شعبان المنصرم، وما تضمنه بيان إعلان الرياض من اعتراف بدور العالم الإسلامي في التصدي للإرهاب. جاء ذلك في البيان الذي صدر عقب اختتام أعمال الندوة الدولية «الجاليات المسلمة في البلدان غير الإسلامية.. الحقوق والواجبات» التي نظمتها رابطة العالم الإسلامي في مكةالمكرمة خلال يومي 16 و 17 رمضان 1438ه؛ وافتتحها معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى، بمشاركة قيادات ومراجع علمية ودعوية وفكرية في الجاليات يتبعون 500 مؤسسة إسلامية في العالم. وأعرب المشاركون في الندوة عن تأييدهم الكامل لأهداف تأسيس المركز العالمي لمحاربة الفكر المتطرف (اعتدال)، مبينين أنه يعد امتداداً لمبادرات المملكة العربية السعودية في نشر قيم التسامح والتعايش ومبادئ الوسطية والاعتدال، وأشادوا بنتائج القمة العربية الإسلامية الأمريكية، التي أكدت على أهمية الدور القيادي والمحوري للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي وفي محاربة التطرف والإرهاب، وما تحظى به من سمعة طيبة وتأثير إقليمي ودولي مستحق؛ ولجهودها الحثيثة في معالجة مختلف القضايا العربية والإسلامية، ودعمها للقضايا الإنسانية في العالم، وإسهاماتها في تخفيف التوترات ومنع الصراعات. ودعو إلى عدم التدخل في أحوال الجاليات المسلمة وطبيعة علاقتها مع دولها، مشيرين إلى أن هذا الشأن يخص المسلمين خارج العالم الإسلامي الذين لهم مرجعيتهم وقياداتهم الدينية المستقلة، كما يخص مظلة الشعوب الإسلامية "رابطة العالم الإسلامي" فيما تقدمه من إرشاد وتوعية ودعم تُقدره الجاليات الإسلامية عالياً بحكم اختصاص الرابطة، ووزنها العالمي، ودورها المحوري المبني على قاعدة استطلاعات شاملة ودقيقة، وصلتها المستحقة بشؤونهم واحترامهم الكبير لها. وأشادوا في ذات السياق بالجهود الإسلامية المتميزة التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي، وبخطاب الوعي لمعالي الأمين العام للرابطة الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، مؤكدين أنه ينسجم مع هَدي الشرع ومنطق العقل وهو ما يحقق للجاليات المسلمة سكينتها ويعزز الثقة بها وينسجم مع مطالباتها بحقوقها وفق الأساليب الدستورية والقانونية لكل دولة، شاكرين للرابطة دعمها القانوني لهم في هذه المطالبات في سياقها الحضاري. وشددوا على ضرورة تعاون الجهات المختلفة في التصدي للأفكار المتطرفة والإرهابية، والحيلولة دون تسللها إلى أبناء الجاليات الإسلامية، ودعوة رابطة العالم الإسلامي إلى وضع حقيبة توعوية ورقية وإلكترونية موجهة للجاليات الإسلامية، والتأكيد على أهمية حضورها المستمر في دعم المسلمين خارج العالم الإسلامي ومتابعة أحوالهم والتواصل معهم. وأهاب المشاركون في الندوة بالمؤسسات الإسلامية في الغرب بالبعد عن المفاهيم والخلافات التي تؤثر على الوحدة والألفة الإسلامية، وإلى العمل الدؤوب على تحصين الجاليات المسلمة من اختراقات جماعات الإسلام السياسي ودعاة الطائفية والمذهبية، وتعزيز خطاب الرابطة الشرعي والقانوني في المطالبة باحترام الخصوصية الدينية للمسلمين في الدول غير الإسلامية، وكفالة حرية ممارستهم لشعائرهم الدينية، وبخاصة الحجاب وبناء المساجد والمدارس الإسلامية وغيرها. وأعربوا عن تأييدهم للخطاب الديني الذي تنشره رابطة العالم الإسلامي لما تضمنه من رؤية بعيدة تسعى إلى تحقيق مصلحة الجاليات الإسلامية عبر الأدوات الدستورية والقانونية، وصون مكتسباتها عن عبث التيارات المتطرفة الداعية إلى التخالف مع المجتمع، والإخلال بأمنه، وعدم احترام العهود والمواثيق والعقد الاجتماعي الجامع لمكونات هذه الدول، ما يعرض الجاليات المسلمة لخطر التطرف المضاد والإساءة لسمعتها والتوجس منها فضلاً عن تعرضها للمخاطر الأخرى. وحذروا من التأثيرات السلبية التي تتعرض لها الجاليات المسلمة بسبب تدخلات من لا يعرفون أحوال تلك المجتمعات وظروف الجاليات الإسلامية فيها ولا دراية له بخصوصية فقهها، والحذر من الانسياق خلف العاطفة المجردة من استطلاع الأبعاد المستقبلية والحالة الدستورية والقانونية التي تحكم هذه الدول وتنظم سيادتها وعقدها الاجتماعي على ضوء الصيغة الديموقراطية في كل دولة. ودعا المشاركون في الندوة رابطة العالم الإسلامي إلى إنشاء مركز عالمي تواصلي خاص بالأقليات المسلمة، يسعى إلى تعزيز علاقتها بالعالم الإسلامي، وتطوير شراكاتها مع المؤسسات الإسلامية والدولية، مع دعوة المجامع الفقهية إلى العمل على وضع منظومة خاصة بفقه الأقليات المسلمة يراعي خصوصية هذه المجتمعات وأولوياتها وواقعها، ويسهم في حفاظ المسلمين على هويتهم وثقافتهم وشعائرهم بلا حرج في الدين، ولا عنت في الدنيا. كما دعوا الأجهزة والمنظمات المعنية بالتربية والتعليم والإعلام في الغرب إلى الإسهام في تصحيح الصورة النمطية عن الإسلام والمسلمين كجزء من مسؤوليتهم الاجتماعية، وأن يكونوا جسور حوار وتواصل مع الآخرين، إضافة إلى تحالف عالمي للوقوف ضد تيارات العنف والكراهية والعنصرية والإسلاموفوبيا بدعم جهود الرصد والتحليل والمعالجة. وأكدوا على أهمية قيام المؤسسات الإسلامية في الغرب بإعادة هيكليتها وتطوير أدائها، والتنسيق فيما بينها ونبذ خلافاتها الضيقة، والتواصل مع صناع القرار السياسي والثقافي والاجتماعي في بلدانهم، والعمل مع الفعاليات السياسية والاجتماعية والحقوقية لتحقيق الخصوصية الدينية، ودعوة الجاليات الإسلامية إلى أن تكون في بلدانها مصدر إشعاع حضاري وعلمي وأنموذجاً متميزاً في حسن التعايش والتسامح، وأن تكون كذلك أنموذجاً في إثراء الدول التي تعيش فيها وإضافة لها يقدرها الجميع. وكانت الندوة قد شهدت نقاشات ركزت على مطالبات الجاليات المسلمة لتحقيق استقرارها، حيث كرر المشاركون تحذيرهم لمن لا علم عنده بأحوالهم من التدخل في شؤون الجاليات، مثمنين في ذلك الصدد دور رابطة العالم الإسلامي في نشر الوعي بين أفراد الجاليات المسلمة، نظير ما تتميز به من اختصاص في مجال توعية الجاليات وبما لديها من طرح شرعي عميق في استيعاب فقه الجاليات. وأشاروا إلى أن للجاليات الإسلامية فقه نوعي خاص أدركته رابطة العالم الإسلامي باستطلاعها ووعيها الحكيم، وأن جهلة الحماسة الدينية المجردة وأصحاب الأجندة ورطوا بعض أفراد الجالية خصوصاً في قضايا مثل قضية الحجاب، مستشهدين بما دار في شبكات التواصل الاجتماعي من جدال حول الحجاب ومستوى الجهل بفقه الجاليات وحجم الإساءة للجاليات ومستوى التحريض على وعيها.