في دراسة سابقة لشبكة الشركات العائلية لمجلس التعاون الخليجي، بينت أن 80% من الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي ستواجه تحدياً يتعلق بنقل الخلافة من جيل إلى آخر خلال السنوات ال10 المقبلة، متوقعة انتقال أصول تبلغ قيمتها التقديرية نحو تريليون دولار إلى الجيل التالي من الشركات العائلية على مدار 10 سنوات مقبلة في الشرق الأوسط. كما بينت دراسة مسحية قامت بها الجمعية البحرينية للشركات العائلية بالتعاون مع مؤسسة ارنست ويونغ في مجال التعاقب الوظيفي أن هناك فجوة فيما يتعلق بخطة واضحة للتعاقب الوظيفي، وهو الأمر الذي لا ينظر إليه باعتباره أولوية. كما أشارت الدراسة إلى أن 4% ليس لديهم أي خطة واضحة للتعاقب الوظيفي، وهو السبب الأساسي الذي يمنع انتقال الصلاحيات في الشركات العائلية إلى الجيل الثالث أو الرابع، وتظل الشركات العائلية عرضة لعدم الاستقرار والصراعات الداخلية. تخطيط التعاقب الوظيفي أساس استدامة ونجاح أي مؤسسة، سواء في شركات القطاع العام أو الخاص أو الشركات العائلية، حيث تبين الدراسات أن أقل من 50% من المؤسسات والشركات في الغرب لديها خطط للتعاقب الوظيفي، بينما تصل النسبة إلى أقل من 15% في الشرق الأوسط.. وعلى الرغم من ذلك فإن 37% من خطط التعاقب الوظيفي التي تتبعها بعض المؤسسات تفشل بشكل فادح لأن ما يزيد على 80% من العمليات المتبعة لوضع خطط للتعاقب الوظيفي تستهدف الموظفين من ذوي الأداء العالي، أو الذين يأتون بنتائج في وظائفهم الحالية، وتضعهم ضمن الخطة لاتخاذ دور قيادي ضمن الإدارة العليا، متجاهلة بذلك الموظفين ذوي الإمكانيات المتميزة، والتي يمكن تطويرها وصقلها في المستقبل. ومن الاعتبارات الرئيسية التي ينبغي أن تأخذها الشركات العائلية في حسبانها المحافظة على أن تظل إدارة العمل داخل العائلة ومن يعتبر جزءا منها. إن إدارة التعاقب الوظيفي تنطوي على توضيح طبيعة وآلية إسناد المناصب في الشركة، وما إذا كانت إلى أفراد العائلة أم أفراد من خارجها، وتقرير ما إذا كان أفراد العائلة سيتمتعون بفرص عمل داخل الشركة والكيفية التي ستدار بها هذه الفرص، وتكوين لجان عائلية لعمليات صنع القرار ولا سيما في حالة العائلات الأكبر حجما، وإطلاع أفراد العائلة باستمرار على أداء الشركة والكيفية التي ستتخذ بها القرارات الرئيسية التي تؤثر على الشركة وأدائها. ونحن نلاحظ بالفعل أن تسليم هذه الشركات من الجيل الأول إلى الثاني، ومن الثاني إلى الثالث ستكون له تحديات وآثار هائلة على استدامة ونمو هذه الشركات. لذلك لاحظنا جميعا الجهود المبذولة في مجال حوكمة الشركات العائلية، ووضع أدلة مبسطة تشرح جوانب الحوكمة وأهميتها في الشركات العائلية نظرا لأهميتها في استدامة الشركات العائلية. وتشريعات الحوكمة هذه تنطوي على تأسيس هيكل أو آلية قانونية تسمح وتوضح خطة التعاقب والخلافة، ويتماشى مع الديناميكية الأسرية، وأهداف الشركة. ونتيجة للعديد من المشاكل والأزمات التي حدثت ولا تزال تحدث في بعض الشركات ونتيجة لجهود التوعية أيضا، وكذلك لوصول جيل جديد من الشباب المثقف والواعي بات الاهتمام بصورة أكبر لدى الشركات العائلية في دول مجلس التعاون الخليجي بموضوع وضع خطط للخلافة، مع الحفاظ على الإرث العائلي، حيث بات يبدو واضحا أن مالكي هذه الشركات وراء وسائل ذات كفاءة لنقل الملكية إلى الأجيال المقبلة. إن وضع الآلية القانونية لنقل الخلافة مفهوم ينسجم بذات الوقت مع الشريعة الإسلامية ولا يتعارض معها، وهو مطبق في العديد من الدول الخليجية. وتنطوي هذه الآلية على عدة أمثلة مثل تكوين مجلس شورى لاختيار الخليفة المرتقب للشركة العائلية أو أن يتم التوافق عليه من قبل مالكي الحصص الرئيسية في الشركة العائلية أو غيرها من الآليات. ويجب أن تكون هذه الالية القانونية موضحة بشكل جيداً ومرن بما يكفي في الشركات العائلية. إن إحدى قواعد الحوكمة الجيدة التي تضمن الاستمرارية للأجيال المقبلة هي تأسيس هيكل قانوني للتعاقب يلائم بأفضل شكل ممكن خطة الخلافة في العمل الأسري، والديناميكيات، والأهداف الأسرية لضمان انتقال الملكية إلى الجيل الثاني بهدوء وذلك تجنبا لنشوب الخلاقات والمنازعات الأسرية والعائلية. بينما يذهب البعض للدعوة إلى تأسيس هيئة قضائية لحل هذه المنازعات، حيث إن موضوع المنازعات في الشركات العائلية اليوم من اكثر الموضوعات التي تفرض نفسها، وذلك لعدة اسباب منها ما يتصل بمجريات عمل هذه الشركات وتطورها وأسلوب إدارتها والخلافات بين القائمين عليها أو بين الورثة فيها، او لعدم وضوح الآليات التي تحكم او تضبط تباين وجهات النظر والرغبات او الخلط بين الرغبات العائلية والرغبات التجارية، وهذه وغيرها أسباب تلقي بظلالها على واقع ومستقبل هذه الشركات. كما أن الكثير من هذه المنازعات، وبخاصة المنازعات بين الورثة وأولاد العم، والتي أصبحت تهدد مستقبل العديد من الشركات العائلية في المنطقة تصل إلى المحاكم التي باتت تتلقى دعاوى للفصل في خلافات بين ورثة المؤسسات والشركات العائلية، الأمر الذى فرض جعل هذا الملف عنوانا للعديد من المؤتمرات والندوات والفعاليات في المنطقة ومحط تحليل لمؤسسات ومراكز مختصة كثيرة. فعلى سبيل المثال، أظهرت إحصائيات المحاكم في إحدى الدول الخليجية أن المحاكم نظرت خلال العام الماضي في 5700 دعوى خاصة بالأسرة والتركات وشؤون القاصرين، وتم الفصل في 4196 دعوى منها بنسبة 74% من الدعاوى، مقابل 5345 العام السابق.. وهي أرقام تعكس حجم الخلافات التي لم تجد من ينزع فتيلها قبل وصولها لساحة المحكمة. لذلك باتت الدعوات لإنشاء هيئة لنزع فتيل الخلافات الأسرية تتصاعد وذلك كوسيلة وقائية تستهدف الحفاظ على كيان الأسرة واستقرار المجتمع، بحيث تضم الهيئة خبراء ومختصين في مجالات القانون والشريعة الإسلامية وعلم النفس والاجتماع للمساهمة في دراسة كل مشكلة من كافة أبعادها وتقديم المشورة المتكاملة للحد من تصعيد الخلافات الأسرية إلى مرحلة التقاضي.