حقا ما أحوجنا في هذا الزمن الغريب العجيب الذي تتحكم فيه عصابات شتى تتباين أهواؤها وتتقاطع نواياها وتختلف مشاربها، لكنها تلتقي في الإساءة إلى الأمن والسلم العالميين وتقوض كل مرتكزات الرغبة في النهوض بالحياة نحو الأفضل، ما أحوجنا إلى الالتفات إلى النفس فهي نقطة الارتكاز ومنطلق الصلاح والإصلاح. نحن أحوج ما نكون اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى صون النفس والنأي بها عن كل ما يشينها أو يسيء إليها، ونتعهدها بالتربية الفاضلة والتوجيه السليم للوصول بنا إلى بر الأمان والحياة السعيدة الهانئة التي نتمناها دوما. قال الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون». وملاك صون النفس الخلق الحسن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». وما أصابكم فمن أنفسكم: يداك أوكتا وفوك نفخ، آنئذ لا يجدي بكاء ولا ينفع ندم. ولله در القائل: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم إن ما نعانيه اليوم من مشكلات لا تعد ولا تحصى إنما سببه عدم صون النفس وإحاطتها بسور منيع شامخ يتصدى لكل النوايا السيئة والأغراض الدنيئة فضلا عن التهاون الذي يبديه البعض وكأن الأمر لا يعنيهم في شيء، وما دروا أن الخطر يعم البريء والمسيء على حد سواء. وليبدأ المرء بنفسه أولا ثم يلتفت إلى غيره بالنصح والإرشاد والحكمة والموعظة الحسنة، ليكون مثلا يحتذى، ذلك أدعى لإصلاح النفوس وتأليف القلوب ونفي الضغينة والأحقاد: عليك نفسك فتش عن معايبها وخل عثرات الناس للناس ولله در القائل: صن النفس واحملها على ما يزينها تعش سالما والقول فيك جميل ولا ترين الناس إلا تجملا نبا بك الدهر أو جفاك خليل وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غد عسى نكبات الدهر عنك تميل