لكل حضارة تاريخ ولكل دولة تاريخ، بل لكل عائلة تاريخ، فالتاريخ هو تسجيل ووصف وتحليل الأحداث التي جرت في الماضي، على أسس علمية محايدة، للوصول إلى حقائق وقواعد تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل. فعند ما كنا صغارا درسنا عن التاريخ الإسلامي وعهد النبوة والعصر العباسي والعثماني وغيره، لكن كم من شخص يتذكر أحداث هذه العصور كم من شخص يتذكر أسماء المواقع المهمة، أو لم تثبت التجارب أن التلقين أسرع طريقة للنسيان، وأن المشاركة بجميع الحواس هي الطريقة المثلى للتذكر والتفاعل؟ وكيف نطالب بالحضارة والتقدم ومجاراة الدول المتقدمة ونحن نرفض أي تطور؟ أليس من حق التاريخ أن يعرض بكل الطرق الممكنة ليرسخ في أذهان أبنائنا؟ أليس من حق المجتمع ومسؤوليته أن يشارك في إعادة الحضارة والتاريخ واللغة العربية الأصيلة وعرضها بطريقة لائقة بدون تشويه أو تحريف على أبنائنا في المسارح المدرسية والثقافية ودور السينما؟ إن هذا الإرث العظيم الذي ترك بأعناقنا أليس مسؤوليتنا المحافظة عليه من كل تشويه وتدنيس، واحترام خصوصيته ومراجعة نصوصه، وتنقيح لغته، أليس من حقنا ومسؤوليتنا أن نفرض خصوصيتنا وعاداتنا على العالم المتقدم ونتباهى بها؟ ألسنا مسؤولين كجيل مُربي أن ننشئ جيلا عظيما بتاريخه وحضارته؟ ألسنا مسؤولين عن هذا الإرث العظيم؟ نحن نطالب ونطالب بالتطور والتقدم، بل أصبحنا أكثر قسوة على هذا الوطن، فانتقلنا من مرحلة المطالبة إلى الانتقاد الجارح والسخرية، وكأن هذا الوطن لا يعنينا بشيء، لينشأ جيل التهكُم والفراغ. وعند ما تحاول الدولة أن تتحمل مسؤولية هذا الخلل وتبدأ العلاج بالتدرج نقف لننتقد القرارات، فالانتقاد أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا. لنتحمل نحن المسؤولية ونساند تاريخنا بالبقاء ولنعظمه للعالم وللجيل لنتباهى به أمام الأممِ.