التغيير الراشد أصل في الإدارة الناجحة، وفي بلد بحجم قارة مثل المملكة، يتحتم أن يكون التغيير حكيماً وجريئاً وعملياً وعادلاً، وذلك ما حدث بالفعل في الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، الأسبوع الماضي. وأعطى للشباب دوراً مهما في هذا التغيير وخدمة نهج الحكم الرشيد. ما يهمني هو التغيير في وزارة الثقافة والإعلام الذي لم يكن حتمياً فحسب بل ضرورياً أيضاً. فهذه الوزارة تتحمل مسؤولية مهمة وخطيرة خارجياً وداخلياً، خاصة في أيام ثورة الاتصالات والسماوات المفتوحة، وتتعلق مسؤولياتها بالتعامل مع فكر الناس وعواطفهم وعلاقاتهم الحياتية، وتتطلب نوعاً حكيماً وذكياً من الإدارة. وبهذا يتطلب أن يخوض مسؤولوها حقول الشوك، وأن يتحلوا بالحكمة والذكاء والصبر كي يمروا فوق الألغام بسلام. أي تصرف في وزارة الإعلام أو سلوك أو إنتاج، يتحول سريعاً إلى قضية جماهيرية، ويواجه مزاجيات الجمهور، بأنواعها وحزبياتها وثقافاتها وأجنداتها وتوظيفاتها وأحلامها. والحقيقة أن كل مرفق في وزارة الإعلام يحتاج إلى تطوير، لكن بحكمة وذكاء واحترافية راشدة. وتحتاج الوزارة إلى ميزانيات مخصوصة للتطوير، وتحتاج إلى الصبر والوقت، لأن تطوير العقول الحكومية البيروقراطية إلى عقول احترافية مهنية، في مرفق متنوع المهارات مثل الإعلام، من أشق المهن، ومن أكثرها تكلفة وأكثرها عناء، وتزرع العقبات أمامها في كل خطوة. وزراع العقبات أنواع أيضاً ومشارب يوظفون كل شيء في مهارات العرقلة وجر العربة إلى الخلف. المملكة الآن تواجه حرباً إعلامية مفتوحة تشنها مكائن ضخمة ومحترفة تمولها دول وجماعات وأحزاب ومحاور، مدربة على اختلاق الحوادث، واستغلال الهفوات، وتضخيم الأخطاء الصغيرة، وإثارة قطعان الجماهير، بل إن هيئات إعلامية دولية واسعة الانتشار وتحظى بمصداقية وبمعايير صحفية عالية، جرى تضليلها واختطافها أو استغلالها لتشارك بصورة شبه منهجية في العدوان على المملكة والاصطفاف إلى جانب آلة التجني العدوانية. وهذا يحتم على وزارة الإعلام مهمة مواجهة، بحكم الواقع، وأن يكون الرد مهنياً وعاقلا وراشداً ومتمكناً وذكياً. من أكثر ما يغضب المواطنين في المملكة أن وزارة الإعلام لم تشارك بصورة مهنية، للدفاع عن مواقف المملكة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان ومواجهة العدوان الإيراني المتغول، سوى المبادرات التي تبدو فردية وإن كانت في منصات رسمية. بل لم تصل الوزارة إلى مستوى الإداء الإعلامي في وزارة الدفاع التي أسست فريقا ناجحا في إدارة العلاقات الإعلامية للتحالف العربي وعملياته القتالية في اليمن ودحض الافتراءات، وتوضيح المواقف. الوزارة تحتاج إلى تطوير، ولا يوجد إنجاز بلا سلبيات، ولا يوجد مشروع بلا معارضين متنوعين، ولن يرضى الكل عن الإنتاج الإعلامي لأية مؤسسة حكومية أو خاصة. ويتعين أن يكون معيار النجاح والفشل في العمل الإعلامي العالي الاحترافية، وأن الإيجابيات المهنية أكثر من السلبيات، لهذا نقول أعان الله الوزير عواد العواد إذا ما رام العمل والتطوير والإنجاز واقتحام خطوط النار. وتر السعوديون مواطنو مهبط الوحي وموئل رسالة السلام ويفتخرون بأرض الحب ومهج الأشعار الفاتنة. ويتباهون بسواحل الماء وبجبالها الشامخات ووديانها الخصيبة وبملك يعانق سمو الشاهقات بسمو الطموح وبنهج يهدي لكل مواطن باقة من أمن وعدل وقبس من ضياء وفضاء بعرض الصحارى وسماوات الوطن المهيبة