يشبه موت أمك خروج قلبك من صدرك، أي كأنك تموت معها بعد أن يصبح كل شيء فجأة بلا معنى؛ مهما كانت (عطايا) ربك من زوجة وأولاد ونعم لا تحصى. الأم هي النعمة والشمعة الكبرى في حياتك التي متى انطفأت أظلم الكون وتقلبت الألوان من حولك لتقع بين الرماد والسواد. أعترف بأنني، مهما فعلت، كنت مقصراً مع أمي ومؤجلاً لأسباب رضاها على اعتبار أنني سأراها غداً أو الأسبوع أو الشهر القادمين. وحين رحلت اكتشفت كم أنا ظالم لنفسي وكم خسرت من أنفاسها وابتساماتها ودعواتها. أعترف، أيضاً، أنه في ذات اللحظة التي رحلت فيها بكيت مثل طفل وكبرت مثل شيخ لا يقدر على المشي. وبمجرد أن أسمع صوت معزي تنهال دموعي ويغيب صوتي. كأن قوتي مرهونة بوجودها ورضاها وصوتها الذي كان في السنوات الأخيرة واهناً من شدة المرض. المرض ذاته عايشته، غفر الله لها، بقوة تصعب على الوصف، فقد كانت بمجرد أن تحرك عينيها أو تفتح شفتيها توزع ابتسامات منهَكة على كل المحيطين بها. ولا تنسى، وهي تنازع ضعف قلبها وحيلها وحيلتها، أن تسأل عن فلان أو فلانة وبأنه أو أنها بخير. كل حب قابل للأخذ والرد إلا حب الأم فهو مُنزل لا يأتيه الباطل ولا يقبل الاحتمالات أو الاجتهادات. ولذلك من لم يغرف من حب ورضا أمه في حياتها فلن ينفعه ندمه بعد مماتها، خاصة إذا كانت مثل أمي التي تمسكت بالحياة إلى آخر نفس. كانت، مثل كل الأمهات، تريد الحياة لأنها أرادت أن تُواصل رسالتها في إسعاد ومحبة واحتواء الجميع. ولم يكن خاطرها يرتاح حتى ترى الراحة في وجوه كل أبنائها وبناتها. عانت لكنها رحلت محاطة بحب كبير، ومن كثر محبوه في الدنيا كبر حظه في الآخرة. بقي أن أقول لمن لا تزال أمه تمنحه رضاها وابتساماتها ودعواتها لا تستهلكك الحياة على حسابها، لأنك ستكتشف مثلما اكتشفت أن نور الدنيا كله يغيب بغيابها. غفر الله لأمي وأسكنها وأسكن موتاكم فسيح جناته.