لعبتالمكتبات التجارية في الخبر دورا هاما في نشر الثقافة بين أبناء الخبر وما جاورها من مدن وبلدات في سنوات التأسيس الأولى حينما كانت مصادر التثقيف محدودة أو صعبة البلوغ. فهي التي كانت تزودهم بأمهات الكتب المطبوعة داخل المملكة أو تلك المطبوعة في مصر وبلاد الشام. كما أنها هي التي كانت توفر لهم تشكيلة متنوعة من الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية الصادرة في القاهرة وبيروت. وأتذكر أن زيارة تلك المكتبات كانت طقسا أسبوعيا لدى الكثيرين من أبناء جيلي (جيل الخمسينات والستينات الميلادية) ولاسيما في صبيحة يوم الجمعة وهو اليوم الذي كانت تصل فيه الطائرة حاملة الأعداد الطازجة من المجلات القاهرية مثل الهلال، والمختار، وآخر ساعة، والمصور، والكواكب، والجيل، والتحرير، والإذاعة والتلفزيون، إضافة إلى مجلات الأطفال الكرتونية مثل سمير وميكي ماوس. حيث كان من السهل مشاهدة طوابير الناس مصطفة أمام مداخل المكتبات، وكل يحاول الحصول على نسخته قبل أن تنفد الأعداد. وعندما توقفت المجلات والصحف المصرية، لم نتوقف عن ذلك الطقس وظللنا نمارسه مستبدلين المجلات القاهرية بمجلات بيروتية مثل الأسبوع العربي، والصياد، والجمهور الجديد، وغيرها. أما الكتب فكان لها نصيب أيضا من اهتماماتنا لكن بدرجة أقل بسبب ارتفاع أثمانها مقارنة بأثمان المجلات؛ لأن المكتبات كانت حريصة على توفير روايات عمالقة الأدب المصري من أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ واحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي ويوسف إدريس، إضافة إلى روايات جورجي زيدان التاريخية وروايات أرسين لوبين ، وكتب سير نجوم ونجمات الشاشة المصرية من أولئك الذين انشغل بهم الجمهور طويلا بعد ظهورهم المتكرر في الأفلام التي كانت تعرضها قناة تلفزيون أرامكو من الظهران. كانت المكتبات التجارية في تلك الأيام الخوالي تجني هامش ربح معقول من وراء عملية بيع الصحف والمجلات والكتب بسبب تلهف الناس عليها ، على الرغم من مستوياتهم المعيشية المتواضعة آنذاك. إذ كان حبهم للاطلاع وتثقيف ذواتهم بكل ما هو مستجد يدفعهم أحيانا إلى الادخار للإنفاق لاحقا في المكتبات. وكان هذا شأني وشأن معظم زملائي في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، حيث كنا نقتصد من مصروفنا المدرسي ا الضئيل بطريقة يتوفر لدينا منه في نهاية الأسبوع ريال واحد هو ثمن نسخة من المجلة التي نرغب في اقتنائها. علما بأن بعض المكتبات التجارية كانت تعزز مداخيلها ببيع الأدوات القرطاسية جنبا إلى جنب مع الكتب والصحف، كما كان القليل منها يسعى إلى الشيء ذاته من خلال عرض بضائع أخرى مثل أجهزة الراديو والأسطوانات، ربما انطلاقا من مفهوم أن كل تلك السلع تنطبق عليها صفة «وسائط إعلامية». المكتبة الأدبية وإذا ما أردنا أن نؤرخ لظهور المكتبات التجارية في مدينة الخبر، فلا بد من الوقوف طويلا عند «المكتبة الأدبية» باعتبارها أول مكتبة تم افتتاحها في تاريخ الخبر، على يد صاحبها «أحمد عمر بايزيد»، وذلك في المنطقة التجارية القديمة بشارع الملك سعود في عام 1946 للميلاد، علما بأن بايزيد فتح فرعا لمكتبته بالدمام في عام 1948، كما كان لمكتبته وكلاء في كل من الهفوف وبقيق ورأس تنورة. وفي عام 1954 للميلاد فعل بايزيد ما فعله الآخرون من تجار شارع الملك سعود، فنقل مكتبته إلى موقع جديد أكثر حداثة واتساعا. وهكذا احتلت المكتبة الأدبية في موقعها الجديد الدور الأرضي من مبنى متواضع (تحول لاحقا إلى مبنى ضخم من أملاك عبدالرحمن رحيمي) في نهايات شارع التقاطع الثالث باتجاه الشرق، وكانت واجهته الرئيسية عبارة عن فتحتين تطلان على هذا التقاطع وتواجهان «مستودع الأدوية العربي السعودي» وتجاوران «ورشة العجو للزجاج والمرايا»، فيما كانت فتحاته الجانبية تطل على شارع الأمير محمد في مواجهة معارض الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ عبدالوهاب الزياني لسيارات اللاندروفر. ويمكنني القول بثقة ومن واقع تجربتي الشخصية أن هذه المكتبة تحديدا هي التي كان المرء يشعر فيها بأجواء المكتبات المعروفة بسبب روائح أحبار الطباعة المتسربة من الصحف والمجلات، وعبق الكتب القديمة المخزونة، أما المكتبات المنافسة لها فكانت الرائحة الطاغية هي روائح أقلام الرصاص والبرايات والمحايات بسبب اشتغالها بالقرطاسيات أكثر . وكان هناك عامل آخر يميز المكتبة الأدبية عن غيرها وهو ثقافة صاحبها وحبه لعمله ومساعدته للآخرين في تدبير ما يحتاجون إليه من مناهل معرفية. والمعروف أن المكتبة الأدبية ظلت تعمل دون انقطاع حتى أواخر الستينات. مكتبة مكة قبل انعطاف عقد الخمسينات بقليل افتتح أحد تجار الحجاز «مكتبة مكة» تحت إدارة شخص يدعى «محمود الجمل»، وذلك في قلب شارع الأمير خالد ضمن مبنى تجاري وسكني من أملاك الشيخ عبدالرحمن سرور الصبان، وهو المبنى الذي انتقلت ملكيته بالشراء لاحقا إلى الصديق محمد بن إبراهيم الخان (أبويوسف). أما موقع مكتبة مكة تحديدا فقد كان يحتله سابقا مطعم فخم تحت اسم «مطعم وكازينو شهرزاد». وقتذاك قيل إن الثري دفع مبلغا كبيرا، بأسعار تلك الحقبة، كخلو رجل من أجل الاستحواذ على الموقع وتحويله إلى مكتبة جذابة لبيع احتياجات الطلبة من كراريس وأقلام وكتب أطفال ولوازم الرسم ووسائل الإيضاح وخلافها. ولأن هذا الاستثمار لم يكن مدروسا، ثم لأن الإقبال لم يكن كبيرا بسبب ضعف دخول المواطنين من جهة، وتوفير شركة أرامكو لكل احتياجات الطلبة الدارسين في المدارس التي بنتها في الخبر والثقبة والعقربية من جهة أخرى فإن مكتبة مكة لم تعمر طويلا. مكتبة النهضة ظهرت مكتبة النهضة في الخبر في عام 1960 للميلاد على يد صاحبها المرحوم العم عبدالله الأشقر، فكانت ثانية المكتبات التجارية في تاريخ الخبر، إلا أن صاحبها آثر أن يتخصص حصريا في بيع الأدوات القرطاسية والمكتبية، دون الدخول في مجال بيع الصحف والمجلات والكتب الذي كان يعتبره جالبا للصداع ومسببا للمشاكل مع البعض ممن كان يأتي للتصفح دون الشراء، خصوصا وأنه ظل لفترة طويلة يعمل كمتعهد حصري لتزويد شركة أرامكو بما تحتاجه من أجود أنواع القرطاسيات المصنوعة في أوروبا. وأتذكر أني وبعض الأصدقاء كنا نشاغبه كلما رأيناه منهمكا في قراءة صحيفة أو كتاب ونقول له «تقرأ جرائد وكتب ولا تبيعها» فكان يطردنا رحمه الله. المرحوم أحمد بايزيد داخل مكتبته في عام 1956 يساعد أحد الأطفال (أرشيف مجلة قافلة الزيت) مكتبة النجاح الثقافية كانت مكتبة النجاح الثقافية لصاحبها محمد سعيد بابيضان رابعة المكتبات التجارية التي فتحت أبوابها في الخبر، وذلك في مطلع الستينات. وكان موقعها حتى تاريخ تصفيتها في أواخر السبعينات في شارع الأمير محمد ما بين شارع التقاطع أ وشارع التقاطع الأول. وكان يجاوره في البداية متجر العلمين لبيع أدوات الاحتفالات والزينة وأعياد الميلاد لصاحبه التاجر البحريني المرحوم «إبراهيم صباح سيادي» وصيدلية الأهالي لصاحبه رجل الأعمال البحريني يوسف محمود حسين. تخصصت مكتبة بابيضان، التي كان يديرها شخص من آل باطرفي، في بيع الأدوات القرطاسية والمكتبية بصفة أساسية، بالإضافة إلى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية السعودية والمصرية واللبنانية كمصدر ثانوي لتعزيز الدخل. كما كانت تبيع القليل من الكتب الأدبية المتنوعة. والمعروف أن هذه المكتبة بدأت نشاطها ابتداء من العاصمة الرياض في موقع كان يقع شرق قصر الحكم، ثم افتتحت فروعا لها في مدينتي الخبر والدمام. وتميزت مكتبة النجاح بوجود قسم خاص بها للمشتركين الراغبين في الحصول بصفة منتظمة على المجلات والصحف اليومية المحلية والخارجية، حيث هيأت المكتبة في هذا القسم صناديق أشبه بصناديق البريد، وخصصت لكل مشترك صندوقا باسمه ليحتفظ فيها بصحيفته أو مجلته. مكتبة الظهران خالفت هذه المكتبة بقية مكتبات الحقبة التي نتحدث عنها لجهة الموقع ونوعية البضاعة. فصاحبها المثقف القادم من عنيزة، الأستاذعبدالعزيز الفاضل، آثر أن تكون مكتبته في موقع هادئ بعيد عن الضجيج والازدحام المروري، وكأنه كان يقصد توفير مناخ هادئ لمن يقصدون مكتبته للقراءة والتصفح قبل الشراء. وهكذا وقع اختياره على محل من فتحتين ضمن أملاك الشيخ عبدالله الدرويش بشارع الأمير ناصر ما بين التقاطع ألف (او التقاطع صفر) والتقاطع الأول. ظلت هذه المكتبة تعمل طيلة سنوات الستينات وهي تبيع الصحف والمجلات المحلية والعربية إلى جانب قائمة مختارة من الكتب الثقافية والفلسفية والروائية، بالإضافة إلى الأسطوانات البلاستيكية التي انتشرت في الأسواق آنذاك مع انتشار أجهزة الغرامفون اليابانية الخفيفة. وأتذكر أني وبعض الأصدقاء كنا نرتاح للتردد على هذه المكتبة أكثر من غيرها لأن صاحبها كان بالفعل اسما على مسمى، فقد كان فاضلا في أخلاقه، ودودا وبشوشا في تعاملاته، أنيقا في ملابسه العربية والافرنجية، ناهيك عن أنه كان يسهل علينا مهمة اختيار الكتب، بل كان يقسط علينا ثمنها كنوع من دعمه لهواة القراءة. لكن عبدالعزيز اختفى من حياتنا فجأة وظلت مكتبته مغلقة لسنوات قبل أن يخبرنا أحدهم أن ظروفا ما وقعت له. وقد وجدت في الجزء الخاص عن الخبر من كتاب «سلسة هذه بلادنا» للاستاذ عبدالله احمد شباط ما مفاده أن أول عهد لعبدالعزيز الفاضل بالمكتبات كان في عام 1952 للميلاد حينما افتتح «المكتبة الحديثة» داخل الحي السعودي Saudi Camp بالظهران، وأن الرجل نقل تلك المكتبة إلى الخبر في عام 1960 الموافق لعام 1380 للهجرة. صورة من داخل المكتبة الأدبية بالخبر في منتصف الخمسينات لبعض هواة القراءة (أرشيف مجلة قافلة الزيت) المكتبة العالمية في أواخر الخمسينات الميلادية، في الزاوية المطلة على شارع التقاطع ألف وشارع الأمير محمد، وعلى مقربة من متجر العمودي الحالي لبيع أقمشة الستائر، كان هناك محل كبير يبيع تشكيلة من السكاكر والحلويات الشامية التي يسيل لها اللعاب. وقتها كنا صغارا لا نملك ما يكفي من الدراهم للإنفاق على هذه الأشياء التي كانت آنذاك من قبيل بضائع الترف الخاصة بالأثرياء، فكنا نحوم حول المحل ونشبع رغباتنا بالنظر إلى فترينة العرض، ونحن في طريق عودتنا من مدرستنا الابتدائية في جنوبالخبر. لكن فجأة حدث ما حرمنا حتى من هذه المتعة الهامشية، إذ استحوذ على المكان في مطلع الستينات شخص اسمه «سعيد صلاح» كان يعمل مدرسا في الطائف ونزح الى الخبر. وسرعان ما قلب الأخير محل السكاكر إلى أول مكتبة تجارية في تاريخ الخبرتحت اسم المكتبة العالمية International Bookshop متخصصة حصريا في بيع الكتب الأجنبية (الإنجليزية) من روايات الجيب إلى القواميس والمعاجم وكتب تعلم العربية واللغات الأخرى، إضافة إلى تشيكلة واسعة من الصحف والمجلات الامريكية والبريطانية والفرنسية وبطاقات المناسبات السعيدة والبطاقات السياحية (بوست كارد) الملونة عن مختلف مدن المملكة من تلك التي صورها صاحب المكتبة بنفسه مستثمرا فيها عشقه للتصوير. ويمكن القول: إنه لولا جهود سعيد صلاح، لما عرفت المملكة في تلك السنوات المبكرة البطاقات السياحية ولما توفرت لدينا صور عن الكثير من المعالم التي طواها الهدم أو النسيان. ظلت المكتبة العالمية تعمل بنشاط مشهود وتحقق أرباحا معتبرة على مدى 3 عقود من الزمن بسبب فرادتها لجهة توفير وسائط المعرفة للجاليات الأجنبية، تحت إدارة مؤسسها ومن ثم تحت إدارة أبنائه حتى منتصف التسعينات حينما بارت الأعمال في شارع الملك خالد وما حوله من شوارع تجارية. والجدير بالذكر في هذا السياق أنه كان للمكتبة العالمية فرع في نهاية شارع الملك فهد عند تقاطعه مع شارع البيبسي كولا (تقاطع 28) ضمن مبنى من أملاك صاحبها سعيد صلاح، كان به أيضا مقهى يرتاده بعض الأجانب القاطنين في المجمعات السكنية بشمال الخبر هو مقهى «الكيمك غلاس» الشهير للقهوة والحلويات والفطائر والعصائر. لكن هذا الفرع لم يستمر طويلا بسبب بعده عن أماكن تسوق الجل الأعظم من الجاليات الأجنبية. مكتبة المانع في عقد السبعينيات حاول المثقف المرحوم الشيخ محمد عبدالله المانع، ضمن أنشطته التجارية المتعددة، منافسة المكتبة العالمية لجهة توفير ما تحتاجه الجاليات الأجنبية من كتب وصحف ومجلات، فافتتح مكتبة تجارية بفتحتين في شارع الأمير ناصر، ليس ببعيد عن موقع مكتبة الظهران المشار إليها آنفا. وقد ساعد المانع على خوض هذا الميدان إلمامه باللغات الانجليزية والأوردية، ولظروف معينة قرر تصفية مكتبته. وكان الخاسر الاكبر من اغلاق هذه المكتبة هم ابناء الجاليتين الهندية والباكستانية الذين كانوا يترددون عليها لشراء الصحف والمجلات الصادرة في بلادهم من تلك التي حرص المانع على توفيرها لهم بفضل خبرته. المكتبة الأدبية الحديثة ظهرت هذه المكتبة على يد فهد البقعاوي الشريك السابق في المكتبة الوطنية (إحدى المكتبات التجارية التي ظهرت في الثمانينات في شارع الأمير محمد ما بين التقاطعين الأول والثاني لبيع بعض الصحف والمجلات والكتب القليلة والكثير من لوازم الطلبة والمدارس). كان موقع هذه المكتبة في عمارة الشيخ عبدالرحمن الطبيشي، إحدى أوائل العمارات الفخمة بالخبر، . أما تاريخ افتتاحها فكان في حقبة الطفرة النفطية، حينما كانت الخبر تعج بمئات الآلاف من الجنسيات الأجنبية الأوروبية والآسيوية، حيث فطن البقعاوي، وكان شابا أنيقا قدم مبكرا من مسقط رأسه في حائل إلى الشرقية فتشرب ثقافتها المنفتحة وتماهى مع ظواهرها العصرية، أن هذه الآلاف المؤلفة تحتاج لمطالعة صحف بلادها في وقت لم تكن فيه الفضائيات أو شبكات الانترنت متاحة ، فبادر إلى الحصول على وكالات حصرية لصحف مختلفة صادرة في فرنسا وهولندا وألمانيا والهند وباكستان وسريلانكا والفلبين وكوريا وتايلاند وتوفيرها أولا بأول لمواطني هذه الدول. المرحوم عبدالله الأشقر صاحب مكتبة النهضة داخل مكتبته مع احد زبائنه (أرشيف مجلة قافلة الزيت) متجر باحمدان بالإضافة إلى المكتبات السابق ذكرها، ظهر ضمن مباني صدقة وسراج كعكي في شارع التقاطع ألف (أو صفر) محل في أواخر خمسينات القرن الماضي تحت اسم «متجر باحمدان». وكان هذا المتجر يتعامل أساسا في بيع أجهزة الراديو والتسجيل وبعض الأسطوانات العربية لكبار الفنانين المصريين، لكنه كان يبيع أيضا المجلات المصرية الأسبوعية دون الصحف والكتب. المرحوم سعيد صلاح على غلاف أحد الكتب التي أصدرها