دلوني «على السوق» مقولة يتفاخر بها الغريب الذي يجيد التجارة، كناية عن أنه لا يحتاج رأسمال أكثر من معرفة موقع السوق ليتكسب ويحقق ربحًا! هناك من يعشش السوق في عقله ووجدانه، يفكر في كيف يُصمم منتجًا ويبدع خدمةً أو يحسن باستمرار ما يقدمه حاليا لزبائنه، وفي المقابل هناك من يتباهى بتحقيق مكاسب بإجادته فنون الشطارة والفهلوة وغمط الناس أشياءهم بوسائل شتى؛ فتجده مُبدعًا حاذقًا في فنون «العيارة» والمماطلة، وأهم دافع له هو المال ولا شيء سوى المال، وهؤلاء عادة يتمتعون بذرابة في اللسان وحنكة في أساليب بناء العلاقات الإنسانية، ولكن لهدف مصلحي ذاتي، وليس بدافع التعارف والتواصل الاجتماعي، فهو عندما يتفرس في وجهك ستجده يطرح عليك سلسلة من الأسئلة، الرابط بينها: كيف يستغلك، وكأنه يبحث عن إجابة لسؤال: «اكلك مينين يا بطة!» بالقطع، ليس عدلًا رمي الناس بالظنون السيئة، لكن للبشر طباعا تتراوح: بين إنكار الذات وإيثار الآخرين، وبين حب الذات وتفضيلها عما سواها، وبين الرغبة في بناء علاقات مع الآخرين من أجل مصلحة ذاتية أو وصولًا لمصلحة بحتة ولو دوسا على رقابهم. وهكذا، ستجد من نجح ماديًا بجهده، ومن كان التحايل مطيته لتحقيق «النجاح» الخاوي من الأخلاق. ليس فيما قلت أي جديد، فهذا حديث عمره قرون طوال، لكننا خطونا خطوات مهمة في منع المماطلة والحد من نجاح البعض المبني على غمط الناس حقوقهم وأشياءهم؛ وأذكر هنا نقطتين ولن أزيد. الأولى، استرجاع الشيك لهيبته ومكانته باعتباره أداة دفع وليس أداة مماطلة، بمعنى أن الشيك يُحرر ويُصرف وعلى البنك صرفه بمجرد أن يقدمه المستفيد للبنك بغض النظر عن التاريخ المدون على الشيك، أما عندما يمتنع المستفيد عن صرف الشيك إلا في تاريخ متفق عليه مع مُصدر الشيك فذاك اتفاق بينهما وليس نصًا قانونيًا عامًا. والأمر الثاني، السجل الائتماني «سمة»، فعلى الرغم من أن البعض يقول إن «سمة» تتعسف بما في ذلك إحالات شركات الاتصالات والتقسيط وبمبالغ بسيطة، لكن لا أحد يقول -فيما أعلم- أن «سمة» نظام لا يتسم بالدقة، فهي وسيلة لضبط وتوثيق السجل الائتماني للأشخاص بما يُمكن مؤسسات الاقراض والائتمان من بنوك وسواها ترشيد قراراتها ذات الصلة. وكلتا الحالتين (الشيك والسجل الائتماني) لم تجدا ترحابًا من البعض، لكن فيهما حماية الحقوق. أما من يقول «دلوني على السوق» فعليه أن يذهب للسوق لممارسة حذقه في التجارة وليس في التحايل والمماطلة والغبن وتصيد الناس وليس الفرص! الحذافيرية في تطبيق النظام دون تمييز، وإتاحة معلومات جوهرية هي قوة لكل منا، فمثلاً الفرد يقبل الآن الشيك دون تردد، الطمأنينة نابعة من أن عقوبة «شيك بلا رصيد» تتجاوز أي مكسب مادي للمماطل، أما سمة؛ فقد أخبرني أحدهم أنه طلب -فيما طلب- من شاب تقدم لخطبة إحدى بناته تقريرًا عن وضعه الائتماني من «سمة»! استغربت من الطلب، أما صديقي فقال إنه وبناء على التقرير رفض الخطبة إذ تبين له أن الشاب عليه ملاحظات ائتمانية من البنك ومن إحدى شركات الاتصالات! فقلت له: لماذا لم تطلب كذلك كشف حسابه في البنك لستة أشهر؟ فأجاب بثقة: ما يهمني ليس ماله بل وفاءه بما عليه!