هناك جدل كبير غير محسوم بشأن إطلاق مصطلح العمالة المهاجرة على العمالة الوافدة من الخارج في دول مجلس التعاون الخليجي. فأما من يرفض استخدام مصطلح العمالة المهاجرة فإنه يسعى لإثبات أن العمالة الأجنبية في دول الخليج العربي هي عمالة وافدة متعاقد معها بصورة مؤقتة. وقد لوحظ بالنسبة لبيانات الأيدي العاملة في البحرين، من حيث مدد الإقامة في البحرين على سبيل المثال أن 70% منها لا تتجاوز مدة إقامتها أربع سنوات. فتحديد مفهوم العمالة المتعاقدة يقوم بدرجة أساسية على نقيض معايير العمالة المهاجرة، إذ ان ثمة معيارا أساسيا يحدد الفرق بين العمالة المهاجرة عن غيرها وهو معيار التأقيت. وتبين دراسة حول مفهوم وحقوق العمالة الوافدة المتعاقدة المؤقتة في دول مجلس التعاون، أعدها المكتب التنفيذي لوزراء العمل الخليجيين أن مصطلح العمالة المهاجرة يشير إلى الذين يقدمون من بلدان أخرى ويستقرون استقرارا دائما في بلد ما. ولا يمكن في حقيقة الأمر التوسع في مفهوم العمالة المهاجرة وشموله العمالة المتعاقدة المؤقتة، لأن التوسع في هذا المفهوم من شأنه القضاء على معيار التفرقة بين العامل الدائم والمؤقت، وهو أمر لا يمكن قبوله لسبب أساسي، وهو اختلاف الحماية بين هذين النوعين من العمالة، فإن إضفاء الحماية التي تتمتع بها العمالة المهاجرة على العمالة المتعاقدة من شأنه إلقاء التزامات قانونية تخالف الواقع الموجود في دول المجلس. وتضيف الدراسة أنه نظرا للطابع المؤقت للعمالة الوافدة المتعاقدة التي تعمل في دول المجلس، فإنها - ومن ثم - لا تعد عمالة مهاجرة بالمفهوم المعاصر، حيث لم يغادر العديد من هؤلاء العمال بلادهم رغبة في الاستقرار الدائم في دول الخليج، بل رغبة في توفير المال لتحسين وضعهم في أوطانهم على أن يتم ذلك في بضع سنين. ويدعم هذا القول عدة حجج، إذ أنه لا يبدو هاما لهذه العمالة تعلم اللغة العربية واجتزاء وقت من العمل لتلقي دورات تدريبية، لذا فإن العامل الوافد المتعاقد متى ما أصبح مفيدا ومؤهلا حتى غادر دول الخليج عائدا إلى موطنه. كما أن هذه العمالة ترغب في توفير المال سريعا، وعليهم في الوقت ذاته أن يرسلوا المال إلى وطنهم للإنفاق على أسرهم، وهذه الأمور كافية بحد ذاتها للتدليل على الطبيعة المؤقتة للعمالة الوافدة المتعاقدة في دول المجلس، فضلاً عن عدم إمكانياتها اكتساب أي طابع آخر - اندماجيا كان أم استيطانيا - بشكل مطلق. إن موقع دول مجلس التعاون الخليجي في الخريطة الدولية للهجرة يتسم بمجموعة من السمات الخاصة الفريدة من نوعها. فقدوم العمالة الوافدة إلى هذه المنطقة الحيوية من العالم، ناجم عن وضع معين لأسواق العمل فيها، تطور ضمن سياق تاريخي واقتصادي محدد، وعلى الرغم من سعي هذه الدول خلال العقود الماضية لتخفيض أعداد العمالة الوافدة لديها، إلا أن جهودها لم تحقق النتائج المتوقعة. وإزاء استمرار الاعتماد الكثيف لدول المجلس على العمالة الوافدة من جهة، وتزايد ضغوط التشريعات الدولية المتعلقة بالهجرة من جهة اخرى،، يستدعي وضع وتطوير إستراتيجية للتعامل مع وضعية العمالة الوافدة يتزامن معها جهد إعلامي عالمي واضح يفرق بينها وبين مفهوم العمالة «المهاجرة»، وخصوصا أن جميع أنواع أنظمة الاستقدام المستخدمة في دول المجلس مبنية على كون الحاجة «مؤقتة». وهي أنظمة بحاجة إلى تسليط الضوء عليها ضمن تلك الإستراتيجية بما يعزز التمايز بين العمالة الوافدة والعمالة المهاجرة، على أن تشمل الإستراتيجية أيضا تطوير منظور تنموي يهدف إلى استقطاب الكفاءات والمهارات الأجنبية المكملة للموارد البشرية الوطنية المتوفرة وعدم إغراق الأسواق بالعمالة الرخيصة. وعلى الرغم من أن حصة دول مجلس التعاون الخليجي من العمالة الوافدة على المستوى العالمي متواضعة، إذ تبلغ ما يقارب 6٫7% من إجمالي المهاجرين عالميا، الا أن خصوصية الوضع الخليجي تكمن في أن معدل النمو السنوي لأعداد العمالة الوافدة إلى إجمالي سكان دول المجلس تفوق المستويات العالمية بصورة كبيرة للغاية. ولعل ذلك يفسر الى حد ما تصاعد الاهتمام العالمي بالظاهرة الخليجية في استقطاب العمالة الوافدة. ويمكننا الافتراض بأن هناك عنصرين مهمين سيؤثران في حجم ونوعية العمالة القادمة إلى الخليج في المستقبل: الأول هو اتجاهات ومعدلات نمو اقتصاديات بلدان جنوب شرق آسيا بوصفها مراكز جذب «منافسة» للعمالة الآسيوية، بالمقارنة مع أسواق العمل الخليجية. والثاني اتجاهات تطور اقتصاديات دول المجلس، خاصة القطاع الخاص، على صعيد نوعية النشاط الاقتصادي، وحجم النقص في المهارات اللازمة والمسارات التي يمكن أن يتخذها «توطين» الوظائف. لكن في كل الأحوال تتطلب هذه العناصر مواجهة حقيقية لتنامي ظاهرة العمالة الوافدة مع ما تشكله من مواصلة الضغوط على دول المجلس لتحويلها إلى عمالة مهاجرة. ويتطلب ذلك الإسراع في تكييف وتطوير مخرجات التعليم والتدريب للعمالة الوطنية لتواكب احتياجات سوق العمل من المهارات اللازمة. كما يضع القطاع الخاص أمام تحدي التكييف وإعادة الهيكلة اللازمة للأنشطة كثيفة العمالة بالتحول إلى الأنشطة المولدة للوظائف ذات الدخل المجزي للعمالة الوطنية. كذلك، بات من المهم ضرورة إصلاح أسواق العمل الخليجية بحيث تتخذ المزيد من التشريعات التي توضح بصورة لا لبس فيها الطبيعة المؤقتة للعمالة الوافدة، وبالتالي تجنب مخاطر التشريعات العمالية العالمية الجديدة التي قد تحول العمالة المؤقتة إلى عمالة مهاجرة دائمة.