من الواضح أنه لا أحد يملك المقدِرة على التنبؤ بمسار العالم بمثل ما يقوم به الفيزيائيون، فمنذ القرن الثامن عشر وهم أصحابُ الكلمة العليا في وضع الآليات التي يتغير العالم من خلالها. تذكرتُ، وأنا أقرأ كتاب البروفيسور ميتشيو كاكو (فيزياء المستقبل: العلم يُشكل مصير البشرية عام 2100)، ذلك الرجل الذي وقف على خشبة مسرح جامعة (كاوست)، يتحدث مع الملك عبدالله - رحمه الله- بكامل هيئته، إلا أنه في الحقيقة لم يكن بشحمه ولحمه أمام الملك يوم الافتتاح، بل في مكان آخر، والذي ظهر فقط هيئته الكاملة ثلاثية الأبعاد! مثل هذه التقنية في الاتصالات عن بُعد ستكون رخيصة وسائدة بين الناس قبل عام 2100، كما يتنبأ هذا الكتاب، بالإضافة إلى مظاهر عديدة ستتغير بشكل كبير في مجال الذكاء الاصطناعيِ، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، التي بدأ بعض بوادرها بالظهور. ويُثبت هذا الخبير، الذي يستنِد في طرحِه على مبادئ الفيزياء وقواها الأربعة الرئيسة في الطبيعة، أنه لن يسلم مظهر من المظاهر البشرية من تأثير التغيير، فمثلا ستتغير الكثير من المهن، وستُحاكي الروبوتاتُ أداء العقل البشري إلى حدٍ كبير، وبشكل لا يخطُر على عقل بشر اليوم! ويستمر الكتاب بوصف اكتساح التكنولوجيا القادم، ولكنه عندما يصل إلى الأعمال المرتبطة بالثقافة والفنون، يذكر أنها ستبقى دون تأثُر كبير - باستثناء جانب من الترجمة - لأسباب عدة، أهمها أن هذه الأعمال مرتبطة بالحكمة والذوق السليم، حيث سيبقى دور كُتاب الروايات والسيناريو والمسرحيات، لأن الحاسبات لا تستطيع وصف المشاهد الواقعية والصراعات الإنسانية، وسيبقى الممثلون كذلك، لأن الحاسبات لا تستطيع محاكاة دقائق تعبيرات الوجه البشري، كما أن الصُحف ستتقلص ولكنها لن تختفي، لأن الناس يبحثون دائما عن المصدر الموثوق. وباختصار، لن تتمكن الحاسبات من أن تجعلنا نضحك أو نبكي؛ لأنها - ببساطة - لا تضحك ولا تبكي، بل لا تستطيع حتى أن تفهم معنيهما.