قبل أيام اتصل بي أحد الزملاء يسألني عن شاب تقدم لخطبة قريبته ولم أجد ما أقوله عنه، فهذا الشاب لا أراه كثيراً بحكم تنقلاتي داخل وخارج المملكة، وحتى لو كنت زميله في العمل أو كان أحد مرتادي المساجد القريبة لا يمكنني الحكم عليه، اعتذرت وانتهت المكالمة، لكن القصة لم تنته. هذه الطريقة تتكرر كثيراً في مجتمعاتنا كمحاولة لتقييم المتقدم للزواج عن طريق رأي الآخرين فيه، لكنها - من وجهة نظري - طريقة قاصرة وغير واقعية ولا موضوعية في زمننا هذا الذي لم يعد التواصل المباشر سمته، ولا تناسب التطور الذي طرأ على الاتصال وإدارة وتحليل المعلومات التي من المهم أن يستفيد منها المجتمع. الزواج يتطلب أكثر من مجرد شهادة بأن فلانا يرتاد المسجد، وكثير من الزملاء في مكان العمل لا يُظهر للآخرين إلا التفاصيل التي تُقربه من المنصب، لكنها لا تعكس حقيقته، أما أسوأ ما في الأمر فهو غياب المعيارية في التقييم، فكل شخص يُقيم الآخرين من منظوره (هو)، والبعض يخلط بين تعاطفه مع الخاطب وبين الحقائق. خلال السنوات الأخيرة تطورت شروط قبول الزواج بظهور التحليلات الطبية التي أصبحت شرطاً إلزامياً لتسجيل عقد النكاح مؤخراً بهدف التغلب على مشكلة عدم التوافق (طبياً) التي تسببت في إعاقات للأطفال أو تناقل الأمراض بين الزوجين وهو توجه حكومي إيجابي - بلا شك - لكنه لم يعد يكفي أيضاً. كثير من المهتمين طالبوا أيضاً بإجراء اختبارات للشخصية لكشف مدى التوافق بين زوجي المستقبل، (ولست في مكان الحكم على مدى جدوى وصحة مثل هذه الاختبارات)، وعلى أقل تقدير اقترح البعض إلزام المتقدمين للزواج والمقبلات عليه بأن يحضروا ساعات تدريبية حول الارتباط والتعامل بين الزوجين وتحمل المسؤولية وغيرها، لكن لا تزال إلزامية هذه الدورات غير مقبولة لدى كثير من أفراد المجتمع. بعض الأهالي بدأوا يُفكرون بطريقة بعض الشركات والمنظمات غير الربحية التي تقوم بدراسة حسابات التواصل الاجتماعي للمتقدم للزواج، وتقيم مشاركاته في منصات الإعلام الجديد لبناء فهم قائم على أساس معياري لأخلاقيات المتقدم للوظيفة، ومهاراته الاتصالية وقدرته على التحكم في مشاعره ومستوى وعيه وغير ذلك. هذا الأسلوب - بلا شك - جيد في جزئية فهم سمات الشخصية الأكثر وضوحاً، بالإضافة إلى رسم خارطة لعلاقات هذا الرجل مع الآخرين، لكنها غير كافية وبحاجة إلى جهد وتتبع طويل للمستخدم واستبعاد للمشاركات المعدة سلفاً وكثير من الأمور التي تتعلق بإدارة الحسابات من أطراف ثالثة وغير ذلك. مع هذا لا تزال كل هذه الطرق بعيدة كل البعد عن استخدام قواعد البيانات الموجودة لدى الجهات الحكومية ولا تزال أقرب إلى الاجتهادات الشخصية التي لا تستند لمعايير (إذا ما استثنينا التحليل الطبي)، ولا تزال الأسرة بحاجة للسؤال والانطباعات الشخصية حتى عن المعلومات الأساسية حول الشخص مثل وجود تجاوزات منه بحق الآخرين أو محكوميات وسوابق عليه. لماذا لا نفكر جدياً في إتاحة خدمة جديدة للمجتمع ولتكن إلزامية باسم (خاطب) مثلا وهي - بكل بساطة - تفويض يرسله الشخص عبر جواله لكشف بيانات تخصه لولي أمر خطيبته، منها مثلاً: صحيفة الحالة الجنائية (شهادة الخلو من السوابق)، وبياناته من اسمه لكشف مدى تعثره أو التزامه مالياً مع الآخرين ودخله السنوي، بالإضافة إلى سجله المدني: محل إقامته الرئيس ومعلومات سجل الأسرة الخاص به، وسجله الطبي الموحد (مستقبلاً). إخفاء مثل هذه التفاصيل التي يتحرج الناس عند الحديث عنها أثناء الخطبة قد يلقي بظلاله على الحياة الزواجية في المستقبل، مع هذا لا يمكن معرفة هذه التفاصيل باجتهادات شخصية أو بالسؤال عن الشخص في المسجد أو مكان عمله أو حتى تتبع تواجده في منصات التواصل الاجتماعي. بعض من تحدثت معهم حول هذا المقترح أشاروا إلى أن هذا قد يقلل فرص أصحاب السوابق ومن قاموا بأخطاء في فترات سابقة من حياتهم ثم تابوا وأصلحوا، لكني أعتقد أن هذه حقائق لا يمكن حجبها عن زوجة المستقبل، ولنضف لهذا إمكانية إصدار شهادة حسن سلوك من الجهات المعنية تؤكد التزامه في الفترة التي تلت آخر سابقة لتأكيد توجه الرجل نحو الاستقامة. هذه الخدمة المقترحة لا تُكلف الجهات الرسمية إلا منح صلاحية الاستفسار المؤقت (لمرة واحدة) لشخص يختاره المتقدم للزواج، وهي أيضاً ليست بديلة لجهود أولياء الأمور في التحري عن المتقدم للزواج؛ لكنها للأمانة تحمي كثيرا من الزوجات من المآسي التي قد تنتظرهن عند الوقوع في شرك زوج مخادع وغير أمين ولديه أحكام قضائية أو حتى توجهات إرهابية. في نظري، نحن في حاجة لخدمة مثل (خاطب) يمكن أن يتم تطويرها لتصبح منصة تفاعلية وطنية لتشجيع الزواج على بينة والموافقة بين الزوجين بناءً على كافة السمات القانونية والطبية والشخصية وغيرها.