نحن بضاعته.. ونحن محتواه.. ونحن مواده ومفرداته.. «كعينة» هكذا هو «تويتر» المظهر التقني المصنوع بذكاء من حبائل الغباء الذي يقوم على صنع الشكل والخطوط، وتصميم المنافذ والحدود، وابتكار الاستخدام والدخول.. وبعد ذلك يهمل المحتوى والمضمون، ويترك القيمة والإحساس، ويدع الغاية والشعور.. تويتر لا يفهم ما نقول، ولا يعرف ماذا نفعل، ولا يدرك ماذا ننوي، ولا يسمع أصواتنا، ولا يشاهد صورنا، ولا يشعر بوجودنا.. هو يحتضن كل شيء، ويفتقد كل شيء.. تويتر وسيلة لنقل ما يحمل على ظهره من أسفار، وكتابات، ومرئيات، ومصورات.. دون أن يستوعب ما يحمله، أو يهتم بما يتضمنه.. جمع من لا يجمعون في مكان واحد، وفرق من لا يتفرقون في كل الأنحاء.. تويتر صنف مستخدمين متابعين إلى أتباع يتبعون من له رأي بلا رأي لهم، وتابعين لهم رأي لكنهم يوافقون من له رأي آخر، وتابعين يقرؤون ويشاركون ويحاورون ويطرحون آراءهم، ومتتبعين يرصدون الأخطاء والزلات ويتلقطون الأغلاط والهفوات، وصنف خامس هم متابعون صامتون.. هكذا هو تويتر الغبي الذي صنع بذكاء ليستغفلنا، وصنع باستغفال ليترفنا.. فيه ما يسمى التغريد مع أننا لا نسمع إنشادا ولا صوتا جميلا يصدح.. بل هي كلمات وعبارات ليست كالعبارات وصور ومتحركات.. بل تجاوز الأمر إلى ان هناك من ينعب ويظن ان البوم يمكن ان يغرد.. ظهر فيه حكماء جدد وكثر بينه القادمون من الخلف، وغاب عنه اعتباريون، وحضر حوله انتهازيون، وظهرت ساحة للتنافس في مسألة أكثرية المتابِعِين، وأقلية المتابعين.. حقيقة تويتر ليس شبكة اجتماعية بل تجمعية، وليس وسيلة إعلامية بل هو ناقل لمضامين إعلامية من مصادر أخرى لذا لا يمكننا القول أن نضعه على أرفف علم الإعلام كمنتم أصيل لأنه وسيلة لغاية.. لذا ففوضى الحواس داخله منتشرة وتعلق وسائل الإعلام به كناقل لمحتواها ذلك ما يجعله ذكيا وهو غبي، وما يجعله حكيما في مساحات الحمق.. تويتر ليس ثورة لأنه منتج من ثورة الانترنت بل هو طفرة الكترونية وهوس نفسي بحاضر جديد في زمن غياب لفنون أخرى.. انتفت فيه كل المقامات.. قيل.. إن تويتر لا يفسد للود قضية بل هو غالبا ما يفسد الود، ويفسد القضية معا.. فعالمه عالم هلامي إسفنجي ومطاطي يتسع لكل خيانات العقول والقلوب، وأكاذيب الألسنة والعيون، ومرتع للإشاعات.. تويتر أنموذج افتراضي يعيشه البعض بواقع.. وواقع مفروض يعيشه البعض بهوس.. مشكلة تويتر أنه يسقط ما في الأذهان من خطرات.. وأفكار.. وآراء على مساحات محدودة.. ومشكلتنا أننا اختلطنا فيه، وتخالطنا بلا حدود.. كل شيء فيه ما بين حقيقة وخيال، وكذب وصدق.. بسلبية تحدث لأن السلب هو الذي يضر.. وهو معضلتنا.. وهو شقوتنا.. وكل سلبي هو منتقد.. وكل ايجابي هو ممدوح.. لا حاجة للمدح والاطراء.. فما يحدث من السوء يجعلنا منزعجين.. متوجسين.. ويبقى القول: كل وسيلة غير منضبطة.. ولا مضبوط بقيم وأدبيات وأخلاقيات مهنية حقيقية ونافذة.. تبقى مصدر شر كبير.. ومنها تويتر وغيره الذي لا يلتزم بذلك.. ولا يلتزم كثير منا بقيم كريمة.. لا تجعلوا تويتر وما خلفه من وسائل جديدة تسهم في تشكيل قدراتكم، آرائكم، توجهاتكم، قناعاتكم، ولا يكون تويتر وأشباهه مصدر أخباركم ومعلوماتكم.. أوصدوا عقولكم عن تفاهات وإسفاف الكثير من الناس فيه.. وعن كثير من مضامينه التعيسة.. لكي لا يربينا تويتر وما هو مثله من منتجات تقنية جديدة..