أصدرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (السي آي أيه) تقريرًا حول المحاولة الروسية للتأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية. ويؤكد التقرير أن الروس قاموا بسرقة رسائل البريد الإلكتروني التابعة للجنة الوطنية الديمقراطية وجون بودستا رئيس الحملة الانتخابية لمرشحة الرئاسة هيلاري كلينتون، لإحراج الأخيرة والتسبب في هزيمتها. كما يضيف التقرير أن الروس انخرطوا في الدعاية والتضليل، وتمكنوا من الوصول إلى العديد من المجالس الانتخابية في الولايات والبلديات، ولكنهم لم يعبثوا بالأصوات. ويشير التقرير أيضًا إلى أن الروس كانوا يفضلون فوز دونالد ترامب في سباق الرئاسة الأمريكية. ربما يثير التقرير جدلًا، وربما لا، ولكنه يكشف لنا عن بعض نقاط الضعف العميقة بالنظام السياسي الأمريكي في هذه اللحظة. تورط روسي من المحتمل أن يكون للتقرير آثار عنيفة سياسيًا من عدة زوايا. أولًا، تتضمن تأكيدات وكالة الاستخبارات المركزية فكرة أن ترامب لن يكون الرئيس، إلا بالتورط الروسي. وتتجنب وكالة الاستخبارات المركزية التصريح بهذا الاستنتاج، لكن من المرجح أن يستخدم ذلك أولئك الذين يعتبرون ترامب رئيسًا غير مناسب لمواصلة نزع الشرعية عنه. وينظر له خصومه باعتباره رئيسا غير شرعي جزئيًا لأنه خسر التصويت الشعبي وفاز بالمجمع الانتخابي وبفارق ضئيل. من الممكن أن يثير التقرير أزمة دستورية، لكن لا يوجد نص دستوري لتجاوز الانتخابات الرئاسية، ويمكن عزل الرئيس، لكن لا شيء في تقرير وكالة الاستخبارات المركزية يشير إلى أن ترامب كان مذنبًا بأية جريمة أو جنحة خطيرة تتوجب توجيه الاتهام له. برغم ذلك، من المحتمل أن يحاول معارضوه استخدام التقرير لنزع الشرعية عن الانتخابات، وإعاقة السياسة الخارجية له، وخاصة المتعلقة بروسيا. ومما لا شك فيه أن ترامب لم يُرِد إصدار التقرير علنًا لهذا السبب، فهذا قد يؤدي إلى إضعاف رئاسته، بل وتأسيس حركة تَستخدم هذا التقرير كأساس لمساءلته. قد يطرح البعض سؤالًا حول لماذا صدر هذا التقرير بهذا الإلحاح..؟ وسيجيب البعض عن هذا السؤال بأن التقرير مهم جدًا بحيث يجب إعلانه للجمهور. ولكن قد يدعي أنصار ترامب أن له دوافع سياسية، ولا يثق مايكل فلين، مستشار الأمن القومي لترامب، في أداء وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية منذ أيامه في أفغانستان، وناقش الفريق الانتقالي لترامب علنًا إعادة هيكلة (السي آي أيه) وتقليص حجمها. وسيوجّه هذا الفريق تهمة لوكالة الاستخبارات المركزية بأنها أصدرت هذا التقرير لشلّ ترامب وعدم تمكينه من إصلاح الوكالة لأن الأمر سيبدو كما لو كان يشن حملة انتقامية ضدها. إضعاف ترامب وسيتمثل الاتهام الأكثر تطرفًا في أن يكون أوباما هو الذي أمر وكالة الاستخبارات المركزية بإعلان هذا التقرير بغرض إضعاف ترامب سياسيًا، بحيث يكون في متناول الجمهور بينما لا يزال في منصبه. ويرغب أوباما في الحفاظ على إرثه، ولا سيما فيما يتعلق بالرعاية الصحية، ويريد إضعاف سلطة ترامب. أما النقيض من كل تلك الحجج، فيكمن في قيام قوة أجنبية معادية باختراق الانتخابات الأمريكية. لقد كان تدخلًا أخرق بشكل عام. وكان تسريب رسائل البريد الإلكتروني صادمًا للغاية في الغالب لأولئك الذين يريدون أن يُصدموا، وهو شيء ليس بجديد بالنسبة لكل حالة الذعر تجاه الأخبار الوهمية. في نهاية المطاف، سيوجّه أعداء ترامب التهمة له بأنه رئيس غير شرعي، وفي حالات الضرورة القصوى، سيقولون أنه عقد صفقة ما مع الروس قبل الانتخابات. وستواجه وكالة الاستخبارات المركزية وأوباما اتهامات بمحاولة شلّ رئاسة ترامب وتقويض شرعية الانتخابات، وبغض النظر عن نية وكالة الاستخبارات المركزية، يمكن أن يؤدي التقرير إلى زعزعة الاستقرار في الولاياتالمتحدة، وهو ما أرادته روسيا في المقام الأول. الروس والأمريكان إن المشكلات الروسية مع أمريكا سبقت الحملة الانتخابية. فقد اتهم الروس الولاياتالمتحدة منذ فترة طويلة بأنها تحاول التأثير في الانتخابات التي تجري في دول الاتحاد السوفييتي السابق. وكان دعم الجماعات السياسية هو الوسيلة التي استخدمتها الولاياتالمتحدة في تحقيق أهدافها، وكثيرًا ما كانت تتخذ هذه الجماعات شكل أنصار حقوق الإنسان المحايدين. وتساعد هذه الجماعات في تنظيم المعارضة ضد حكومات هذه البلدان، وعملت هذه الجماعات على إسقاط الحكومة المنتخبة شرعيًا في أوكرانيا. ويتهم الروس الولاياتالمتحدة أيضًا بأنها تشجع الاضطرابات في روسيا سرًا وعلنًا عبر وكالات مختلفة. إذا كان الروس قد قاموا بما تزعمه الوكالة، فإن تحقيق ما تراه موسكو محاولات أمريكية للتأثير في السياسة وزيادة عدم الاستقرار في دول الاتحاد السوفييتي السابق كان هدفهم الرئيسي، وبإظهار قدرتهم على رد الصاع صاعين علنا، كانت تلك إشارة للولايات المتحدة بالتراجع. بهذا المعنى، كان تقرير وكالة الاستخبارات المركزية يتوافق على وجه التحديد مع ما يريده الروس؛ أي أنهم أرادوا الإعلان عن تدخلهم في العملية الانتخابية، ولكن لم يكن قصدهم مساعدة أي مرشح في الفوز. وكان التخلص من كلينتون التي يكرهونها وفوز ترامب بمثابة مكافأة إضافية لتدخلهم. عدم مصداقية لسوء الحظ، فإن سجل الوكالة يلتزم عدم المصداقية، وأخطأت سابقا بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق. ولم تنجح في التنبؤ بصعود السُّنة في العراق أو هجوم «داعش» على الموصل. وفشلت في الكشف عن خطط 11/9 أو التنبؤ بغزو صدام للكويت، والكثير من الأمور، لذلك لا تمتلك الاستخبارات المركزية ببساطة المصداقية لتأكيد شيء بالغ الأهمية كهذا. نواب مجلس الشيوخ والكونغرس الذين اطلعوا على ملخص التقرير خرجوا قائلين: إنهم اقتنعوا باستنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية. وإذا كان الأمر كذلك، فلا بد أنهم اطلعوا على معلومات لم يتم الإعلان عنها. ولا يتمثل الجمهور المستهدف في هذه القضية في شخص الرئيس أو وزير الدفاع، وإنما الرأي العام الأمريكي. لذا يتوجب إقناعه، بما في ذلك أنصار ترامب، بأن التقرير ليس سياسيًا أو غير مطابق للمواصفات. إن المخاوف التي تتدفق من التقرير مشروعة، ولا يمكن للوكالة أن تصدر تأكيدات دون أدلة، وإذا لم تفعل، فإنها بذلك تستكمل عمل بوتين. وفي بلد تعصف بمؤسساته موجة من عدم الثقة، فإن إصدار مثل هذا التقرير دون تقديم الأدلة التي تثبت صحة المزاعم التي يقولها والتي لا يقولها يُعد (مشكلة)، فالتقرير هنا لا يخبرنا بتورط ترامب أو إصدار أوباما لأوامر بإجراء تحقيق وكالة الاستخبارات المركزية لأسباب سياسية، ويعتبر توضيح هذه القضايا أمرا لا يقل أهمية عن معرفة كيف حدثت الاختراقات.