سينمو عدد سكان العالم بحوالي مليار نسمة ما بين 2010 و2025، وهذا النمو سيكون وبشكل رئيسي في الدول النامية، بينما ستشهد الدول الصناعية حالة من التوازن بعدد سكانها. وبلا شك ان هذا المليار نسمة القادم الى العالم بحاجة الى طاقة والى وقود لوسائل النقل. وما زال النفط المصدر الاول للطاقة بالعالم خاصة في مجال النقل، وبحسب الدراسات فإن 90% من وقود المواصلات بالعالم يعتمد على مشتقات النفط من البنزين والديزل ووقود الطائرات وحتى زيت الوقود الذي يستخدم كوقود للناقلات البحرية. وهذا يعني مزيدا من الطلب العالمي على صناعة تكرير النفط، ويتوقع ان يضيف العالم حوالي 20 مليون برميل كطاقة تكرير اضافية من الان وحتى 2040م. وتشهد صناعة تكرير النفط تطورات عالمية وتغير بالمواقف حيث تظهر مراكز مؤثرة جديدة وتختفي بعض القوى القديمة. ولقد كانت أوروبا واليابان احد اهم المراكز الفاعلة بصناعة التكرير خلال الخمسين سنة الماضية ولكن الان ولاسباب عديدة منها انخفاض طلب هذه الدول على المشتقات البترولية والقوانين الصارمة التي تفرضها حكوماتها على المنتجات النفطية بحجة حماية البيئة، بدأت صناعة التكرير تهاجر الى اماكن اخرى مثل منطقة الخليج العربي التي تحتوي على حوالي نصف الاحتياطيات العالمية للنفط، والصينوالهند اللذين يشكلن ثلث سكان العالم واكبر نمو على الطلب على النفط حاليا وبالمستقبل. وعلى سبيل المثال اخر مصفاة انشئت في امريكا كان في عام 1977م. ولكن على ما يبدو ومع ارتفاع الانتاج الامريكي للنفط الخام الصخري صاحب ذلك ارتفاع الطلب المحلي على الجازولين ليكون الاعلى في تاريخ امريكا في 2016م، ومع تغير الظروف والمعطيات الاقتصادية وضغوط شركات النفط الامريكية العملاقة، سمحت السلطات الامريكية بتشييد مصاف جديدة صغيرة. ومن ناحية اخرى ستشهد اوروبا واليابان اغلاق عدة مصاف بطاقة اجمالية تقدر بحوالي مليون برميل باليوم حيث ستغلق مصفاة في كل من ايطاليا وبريطانيا وفرنسا، وفي اليابان تم اغلاق مصفاتي شيبا واوكيناوا. وأما الدول التي يتوقع لها ان تلبي حاجة العالم الى 20 مليون برميل من المشتقات المكررة فهي الصينوالهند والدول المطلة على الخليج العربي. ولقد رفعت الصين قدرتها على تكرير النفط بحوالي 850 الف برميل باليوم ما بين 2014م و2016م فقط. وتمضي الهند قدما بالتوسع في صناعة التكرير حتى اصبحت رافدا مهما للدخل فيها. ولقد ارتفع تصدير الصين للمشتقات البترولية ما بين 2006م و2016م من 200 الف برميل باليوم الى مليون برميل باليوم. وارتفع تصدير الهند لنفس الفترة من نصف مليون برميل باليوم الى 1.5 مليون برميل باليوم. وهذا يعني ان الهندوالصين تخططان ليكونا احد اهم مصدري المشتقات البترولية في المستقبل القريب. وستشهد دول الخليج خاصة عمان والامارات والكويت توسعات مهمة في صناعة التكرير. ولكن تتقدم المملكة وبحكم موقعها وثقلها والاحتياطيات الهائلة التي تملكها من النفط كاحد اهم القوى القادمة والمؤثرة بعالم تكرير النفط. وفي هذا السياق صرح معالي وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بالتالي «تبلغ طاقتنا التكريرية الإجمالية داخل المملكة قرابة 3.1 مليون برميل في اليوم، وسنعمل على زيادتها لتتجاوز ثمانية ملايين برميل في اليوم خلال العقد القادم، بحيث تصبح من أكبر الطاقات التكريرية على مستوى العالم. أدخلنا الخدمة أخيرا في مصفاتين جديدتين هما مصفاة ساتورب في الجبيل وياسرف في ينبع، تبلغ الطاقة التكريرية لكل منهما 400 ألف برميل في اليوم، ولا يزال العمل جاريا على قدم وساق للانتهاء من مصفاة ثالثة في جازان بطاقة تكريرية قدرها 400 ألف برميل في اليوم». وتبلغ قدرة المملكة التكريرية الحالية 2.9 مليون برميل باليوم وتأتي هذه القدرة بالمرتبة السادسة عالميا بعد امريكاوالصينوروسياوالهندواليابان. وستتخطى قدرة المملكة التكريرية قدرة اليابانوالهندوروسيا والتي تقدر بحوالي 4 ملايين برميل باليوم. وستتقدم قدرة المملكة على تكرير النفط الى المرتبة الثالثة خلال عقد من الزمان لتأتي بعد امريكا والتي تبلغ قدرتها حوالي 19 مليون برميل وبعد الصين التي تبلغ قدرتها حوالي 13 مليون برميل باليوم. وبهذا تكون المملكة قد تقدمت على جميع الدول المصدرة للنفط بصناعة التكرير وانتهجت لنفسها طريقا مختلفا عن تصدير النفط الخام. حاليا تصدر المملكة حوالي 7.5 مليون برميل خام وتكرر حوالي 3 ملايين برميل ولنفرض انه مع افتتاح مصفاة جازان وعدة مصاف جديدة تصبح قدرة المملكة 5 ملايين برميل فهذا يعني ان تصديرها للنفط الخام قد انخفض من 7.5 مليون برميل الى 5.5 مليون برميل فقط. سترفع المملكة طاقتها لتكرير النفط بين 2012م و2018م بحوالي 1.2 مليون برميل باليوم وهي احد اكبر الطاقات الجديدة في عالم صناعة تكرير النفط. ولذلك يشهد تصدير المشتقات النفطية تغيرات كبيرة وبدأت تدخل المملكة هذا العالم كأحد اكبر منتجي البنزين والديزل وزيت الوقود اهم المشتقات البترولية. ففي شهر اكتوبر 2016م صدرت المملكة حوالي 660 الف برميل باليوم ديزل وهو زيادة بحوالي 600 الف برميل عن اكتوبر 2006م. وارتفع تصدير البنزين من 18 الف برميل في 2006م الى 250 الف برميل باليوم بشهر اكتوبر 2016م. وارتفع تصدير زيت الوقود من 45 الف برميل باليوم بشهر اكتوبر 2006م الى 217 الف برميل باليوم بحلول اكتوبر 2016م. وهذا يشير بوضوح الى الازدهار المتنامي في صناعة التكرير بالمملكة. ارتفع تصدير المملكة للمشتقات البترولية في عشر سنوات الى حوالي 1.45 مليون برميل باليوم بعد ان كانت 450 الف برميل باليوم فقط في اكتوبر 2006م وهذا يعني زيادة بمليون برميل باليوم. تستورد المملكة حاليا حوالي 600 الف برميل باليوم من المشتقات البترولية وتصدر حوالي 1.45 مليون برميل ولو تم تشغيل مصفاة جازان التي تكرر النفط العربي الثقيل في 2018م فان الاستيراد سيقل. وتنتج مصفاة ياسرف 236 الف برميل باليوم ديزل و90 الف برميل جازولين ويعد وجودها على ساحل البحر الاحمر فرصة لتصدير منتجاتها الى اوروبا والتي ستتنافس مع مشتقات التكرير القادمة من روسياوامريكا. وفي الختام ان صناعة التكرير بالمملكة بوضعها الحالي ربما لا تشجع على التوسع في الاستثمار لانها تخسر كثيرا بالاسعار المحلية المدعومة للمشتقات النفطية. ولنفرض ان كل ستة براميل خام يتم تكريرها الى 3 براميل بنزين و2 برميل ديزل وبرميل واحد زيت وقود. ولنفرض ان سعر النفط العالمي 50 دولارا للبرميل ما يعادل 187.5 ريال. ويبلغ سعر برميل البنزين بالمملكة حوالي 127 ريالا والديزل 71.5 ريال وزيت الوقود حوالي 48 ريالا. وهذا يعني ان سعر 6 براميل نفط خام يعادل 1125 ريالا بينما سعر المشتقات المكررة منها 763 ريالا. اذا الفرق بين سعر الخام وسعر المشتقات يساوي 362 ريالا اي ان تكرير كل برميل يتسبب في خسارة 60 ريالا. هذا عدا تكاليف صناعة التكرير الهائلة والتوزيع. ولنفرض ان المملكة تستهلك يوميا 2 مليون برميل من المشتقات النفطية فهذا يتسبب في خسارة سنوية تقدر بحوالي 44 مليار ريال.