تعتبر صناعة تكرير النفط وتحويله الى منتجات صالحة للاستهلاك كالبنزين والديزل ووقود الطائرات من اهم الصناعات الاستراتيجية للمملكة وذلك بسبب الاحتياطيات النفطية الكبيرة بالاضافة الى موقع المملكة الاستراتيجي بين الشرق والغرب. ولكن تبقى اكبر مصاعب صناعة تكريرالنفط الخام ما يحتويه من شوائب مثل مركبات الكبريت والنيتروجين، وبعض المعادن الثقيلة التي يجب التخلص منها قبل بيع المشتقات النهائية. وهذه في الحقيقة صناعة صعبة ومكلفة وتحتاج الى كثير من الاستثمار والتأكد الشديد من عوامل السلامة. لا شك ان صناعة التكرير تواجه تحديات كبيرة سواء بدخول السيارات الكهربائية والهجينة واستخدام الوقود الحيوي مما ادى الى تراجع نمو الطلب على الجازولين في الدول المتقدمة ولكن تبقى التحديات البيئية هي الاكبر بالنسبة لصناعة التكرير. ولذلك بدأت صناعة تكرير النفط في التراجع التدريجي في بعض البلدان المتقدمة كاليابان وبعض دول غرب اوروبا واصبح الحصول على تصريح انشاء مصفاة جديدة في هذه الدول من اصعب الامور بسبب العوامل البيئية. تستخدم مشتقات النفط بشكل اساسي كوقود لوسائل النقل (65% من النفط) وكوقود لمحطات توليد الكهرباء وكلقيم في انتاج البتروكيماويات. ولقد استهلك العالم في عام 2015م حوالي 93 مليون برميل نفط في اليوم كانت على الشكل التالى: 24.6 مليون برميل من الجازولين و27.8 مليون برميل ديزل و6.8 مليون برميل كيروسين (وقود الطائرات) وحوالي 7 ملايين برميل زيت الوقود لتوليد الطاقة وكوقود للسفن. وتم استهلاك حوالي 26.8 مليون برميل نفط في الصناعات المختلفة واهمها صناعة البتروكيماويات. وتتقدم المملكة العالم بانتاج وتصدير النفط الخام وتتوسع بشكل ملحوظ في مجال تصدير المشتقات النفطية لمنافسة الدول الكبيرة في هذه الصناعة. فلقد انتجت المملكة في عام 2015م حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم من المشتقات النفطية مقارنة بحوالي 6.5 مليون برميل في اليوم لروسيا و5 ملايين برميل في اليوم للهند وحوالي 3.5 مليون برميل في اليوم لليابان وحوالي 3 ملايين برميل في اليوم لكوريا الجنوبية. وهذا يعني ان هنالك متسعا لرفع قدرة المملكة لتكرير النفط. وفي العام 2014 استحوذت صناعة التكرير على حوالي 3% أو 70 مليار ريال من الناتج الاجمالي المحلي. تبلغ القدرة الانتاجية للمملكة في تكرير النفط حوالي 3 ملايين برميل في اليوم وهي اكبر قدرة تكريرية بالشرق الاوسط وفي دول اوبك. وهي تنمو بوتيرة متسارعة اذ كانت في عام 2011م تقدر بحوالي 2.1 مليون برميل في اليوم. وفي نفس السياق تمكنت دولة الامارات من مضاعفة قدرتها التكريرية ما بين 2011م-2015م التي ارتفعت من 675 الف برميل في اليوم الى حوالي 1.12 مليون برميل. أما العراق ثاني اكبر منتج للنفط في اوبك فلم يرفع قدرته التكريرية لنفس الفترة الا بأقل من 100 الف برميل في اليوم لتلبية الطلب الداخلي واما ايران فلم تتغير قدرتها عند 1.8 مليون برميل في اليوم. ومن هنا يبدو واضحا تركيز معظم دول اوبك على تصدير الخام من غير التركيز على معالجته وتكريره وبيعه كمشتقات نهائية باسعار مرتفعة. تصدر دول اوبك سنويا حوالي 24 مليون برميل في اليوم وهي حوالي 60% من كميات النفط المباعة بين دول العالم، ولكن بالمقابل تصدر 5 ملايين برميل في اليوم فقط من المشتقات البترولية بينما يصدر العالم حوالي 28.5 مليون برميل في اليوم من المشتقات البترولية وهي حوالي 17.5% فقط من المشتقات المباعة بين دول العالم. وبالمقابل تستورد دول اوبك حوالي 2.4 مليون برميل في اليوم من المشتقات البترولية المختلفة. وهذا يشير بشكل واضح الى عدم استثمار دول اوبك المزيد من المال في صناعة تكرير النفط رغم امتلاكها لمعظم الاحتياطيات التقليدية للنفط. تنتج المملكة حاليا حوالي نصف مليون برميل في اليوم جازولين وحوالي مليون برميل في اليوم ديزل وحوالي 200 الف برميل في اليوم كيروسين ووقود الطائرات وحوالي نصف مليون برميل في اليوم زيت الوقود المستخدم في توليد الكهرباء ومحطات التحلية، وهذا يعتبر تقدما بانتاج المشتقات البترولية نظرا لتشغيل بعض المصافي الجديدة. وأصبح تصدير البنزين والديزل أعلى من الاستيراد، فعلى سبيل المثال في شهر يونيو الماضي 2016م تم تصدير 800 الف برميل في اليوم بنزين وديزل مقابل استيراد 500 الف برميل في اليوم. ويرجع بعض التصدير الى المصافي المشتركة التي تملك اجزاء منها شركات عالمية مثل اكسون وشل وسينوبك وتوتال والتي ترغب بتصدير حصتها خارج المملكة. واصبحت المملكة في منتصف هذا العام ثالث اكبر مصدر للديزل بالعالم بعد امريكاوروسيا متخطية دول تكرير النفط الكبيرة مثل هولنداوسنغافورةوالهند وكوريا الجنوبية. هذا تقدم كبير لصناعة التكرير في المملكة ففي الاعوام القليلة الماضية وبحسب تقرير اوبك لعام 2015م فان انتاج المملكة للمشتقات البترولية لم يكن ليكفي الاستهلاك المحلي ولذلك اضطرت المملكة الى استيراد كميات اضافية من المشتقات البترولية كالتالي: 200 الف برميل في اليوم في عام 2011م وارتفع الاستيراد في عام 2015م الى 588 الف برميل في اليوم. وهذا يشير الى ان نمو الطلب الداخلي على المشتقات البترولية بالمملكة اعلى من زيادة القدرة التكريرية. لا شك ان استيراد حوالي 600 الف برميل في اليوم هو اشارة الى ارتفاع كبير للطلب المحلي على مشتقات النفط ولذلك تم تشغيل مصفاتين جديدتين في ينبع والجبيل والعمل قائم على مصفاة جازان. وتعتبر المملكة وروسيا اكبر دولتين مصدرتين للنفط الخام بالعالم ولكن يوجد بعض الفروقات بانماط التصدير. وبينما صدرت المملكة 7.1 مليون برميل في اليوم في العام الماضي كأكبر مصدر للنفط الخام بالعالم جاءت روسيا بعدها بتصدير الخام بحوالي 4.9 مليون برميل في اليوم وحوالي 2.3 مليون برميل في اليوم من المشتقات المكررة. واما المملكة فلقد صدرت حوالي 1.15 مليون برميل في اليوم فقط من المشتقات. وبذلك يصبح اجمالي ما صدرته المملكة من الخام والمشتقات حوالي 8.3 مليون برميل في اليوم واما روسيا فتبلغ صادراتها 7.2 مليون برميل في اليوم. تأتي الولاياتالمتحدة في مقدمة دول العالم بتصدير المشتقات البترولية بحوالي 4.3 مليون برميل في اليوم وتاتي بعدها روسياوهولندا بحوالي 2.3 مليون برميل في اليوم لكل منهما. وتعد سنغافورةوالهند وكوريا الجنوبية من مراكز التكرير الاساسية في اسيا اذ صدرت سنغافورة 1.9 مليون برميل في اليوم والهند وكوريا الجنوبية 1.3 مليون برميل في اليوم لكل منهما في عام 2015م. يمكن للمملكة تعظيم ورفع فائدة النفط وذلك بتصنيعه وتكريره عوضا عن تصديره كخام. ويوجد بلدان استطاعت ان تصبح مراكز رئيسية لتصدير المشتقات النفطية رغم فقرها الشديد بموراد النفط وتعتبر الهندوسنغافورةوهولندا وكوريا الجنوبية خير مثال علي ذلك. واما روسيا فهي تنتج كميات نفط قريبة من انتاج المملكة وتستهلك كميات قريبة من استهلاك المملكة ولكن الاختلاف في نوعية التصدير، اذ تكتفي روسيا بتصدير 70% من صادراتها البترولية كخام وتقوم بتصدير الباقي كمشتقات مكررة، وبالتالي باسعار افضل. وفي الختام نأمل ان يصل تصدير المملكة للمشتقات البترولية إلى 4 ملايين برميل في اليوم حتى تتصدر المملكة انتاج وتصدير الخام وصناعة تكريره ايضا.