تعتبر بيانات الميزانية العامة للدولة أحد المؤشرات الرئيسة لقراءة حالة الاقتصاد السعودي حيث تشير الى وجود جهود ملموسة ساهمت في اصلاح الهيكل العام للاقتصاد من خلال توفير البنية التحتية لتنوع الموارد الاقتصادية. وقد بلغت ايرادات القطاع غير النفطي نحو 199 مليار ريال وهو ما يمثل 38 بالمائة من اجمالي الايرادات لميزانية عام 2016 وذلك نتيجة وجود تغيرات جذرية في الخطط الاقتصادية والسياسات المالية تعكس البدء في تجريد القطاع العام من الاعتماد على الموارد النفطية من خلال تنويع الموارد الاقتصادية ودفع القطاع الخاص الى المشاركة في نمو الناتج المحلي الاجمالي. واللافت من إعلان بيانات الميزانية العامة للدولة انه تزامن مع اطلاق برنامج حساب المواطن والذي يأتي في سياق رفع كفاءة الدعم الحكومي للوقود حيث دأبت السياسة الاقتصادية السعودية على اعتبار مسألة دعم أسعار الطاقة مسألة استراتيجية لا تنحصر في الرفاهية الاجتماعية بل تتجاوزها إلى الحيلولة دون تأثر أحد القطاعات الاقتصادية سلبا بمتغير طارئ. وبالتالي التساؤل المطروح حاليا يتعلق بماهية الأثر الذي سيترتب على حصول المواطن للدعم على شكل دفعات نقدية. والاجابة عن ذلك تكمن في معرفة اثر الانفاق الاستهلاكي على حيوية الاقتصاد، حيث يعتبر الانفاق الاستهلاكي من اهم المحفزات لقطاع مبيعات التجزئة. ولذلك فإن رفع اسعار الوقود والكهرباء سيلقي بظلاله سلبا على معدلات الانفاق الاستهلاكي مما يتطلب التخفيف من اثر ارتفاع الاسعار على القوة الشرائية للافراد. وبالتالي كان لابد من اعادة جزء كبير من التدفقات النقدية للافراد عن طريق برنامج حساب المواطن حتى تبقى معدلات الانفاق الاستهلاكي ضمن المعتاد عليه في السابق للحفاظ على حيوية احد اهم القطاعات الاقتصادية وهو قطاع مبيعات التجزئة والذي يشكل العمود الفقري للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. ولكن يتبقى تساؤل مهم يتعلق بالاثر الناجم عن رفع اسعار الوقود والكهرباء على قطاعات اقتصادية اخرى، وللإجابة عن ذلك لابد من التعرف على مفهوم حدة أو كثافة الطاقة وهو معدل استهلاك وحدة قياس من الطاقة لإنتاج وحدة قياس من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد. هذا المفهوم يحمل في طياته استنتاجا جوهريا يساهم في تحديد نطاق الدعم الحكومي لقطاع الطاقة وللمشتقات النفطية على وجه الخصوص، ذلك الاستنتاج هو معيار كفاءة الطاقة لدى القطاع الاقتصادي. وقد سبق ان اشرت في مقال سابق عن دور مفهوم كفاءة الطاقة على المنهجية المتبعة في توجيه الدعم الحكومي للمشتقات النفطية. وعند تطبيق معيار كفاءة الطاقة نجد أنه من المهم أن يتحول الدعم الحكومي للنشاط الاقتصادي من القطاع ذي الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة إلى القطاع الذي تنخفض فيه معدلات كفاءة الطاقة لأن أي قطاع يستهلك كميات كبيرة من الطاقة لإنتاج ريال من الناتج المحلي الإجمالي يحتاج إلى دعم حكومي بشكل أكبر من القطاع الذي يستخدم كميات أقل من الطاقة لإنتاج الريال نفسه من الناتج المحلي الإجمالي. وحيث ان خفض الدعم الحكومي يصب في مصلحة خفض معدلات العجز في الميزانية العامة، إلا انه لا بد أن يتزامن ذلك مع تطبيق مفهوم كفاءة الطاقة على القطاعات الاقتصادية المستهدفة حتى يكون تطبيق خفض الدعم الحكومي ضمن نطاق السياسة الاقتصادية التي ترتكز على الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي والتي تشكل ركنا من أركان التنمية المستدامة. ومن العوامل التي تساهم في رفع كفاءة اداء الاقتصاد السعودي تفعيل الرقابة الذاتية للنشاط الاداري للاجهزة الحكومية وهو الذي تم انجازه من خلال برنامج التحول الوطني الذي يحوي مؤشرات اداء لقياس مدى تحقق الاهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة. ويمهد برنامج التحول الوطني الطريق لمراجعة شاملة لكل نشاط اداري يؤثر على حيوية الاقتصاد المحلي والذي يعول عليه حاليا هو التأكد من دقة رصد البيانات التي يتم تدوينها لتعكس الواقع الحقيقي لكل نشاط اداري ينفذ مبادرات الاجهزة الحكومية. ولتحقيق ذلك لا مناص من التعاون المثمر بين الجهات الرقابية والتنفيذية في مؤسسات الدولة للوصول الى بنية معلومات متكاملة لصناعة القرار. ومن العوامل التي ترفع من كفاءة اداء الاقتصاد السعودي ايضا معالجة المستجدات الاقتصادية بعنصر الالزام من خلال مراجعة الأنظمة والقوانين التي تؤطر النشاط الاقتصادي. ولكن يجب ان ننتبه ان التدخل التشريعي قد يضع قيودا على حيوية القطاع الاقتصادي المراد تنظيمه، ولذلك لا بد من دراسة العوامل المؤثرة على حيوية الاقتصاد قبل سن تلك المعايير الاقتصادية على شكل قواعد ملزمة حتى يحافظ التشريع على دوره المعهود في حماية الظاهرة الاقتصادية المراد تنظيمها دون المساس بحرية وحيوية القطاع الاقتصادي.