بعد أن لفظ العام 2016 آخر أنفاسه على وقع المزيد من أعمال العنف والتطرف والإرهاب، وبلهاث متسارع لحل الأزمة السورية، من أجل الإبقاء على القليل مما ظلّ من سوريا، يبدأ عام جديد والعرب فيه في حال ليست بالأفضل عن تلك التي دخلوا بها العام المنصرم. نهايات مفتوحة ومعارك باقية، ولا حسم في الصراعات التي خلفها الربيع العربي في دول العرب المثقلة اليوم بإرث الربيع الذي جاء دموياً وظل كذلك، وما المشهد في الموصل وبغداد وليبيا واليمن وسوريا، بحاجة لتفسير، بقدر ما يدعو إلى التفكير بأي مصير عربي يفكر العرب؟ وما المتبقي من النظام الرسمي العربي بعد خمس سنوات بدأها العرب بالمطالبة بالحرية والعدالة وانتهت بالدمار والدماء. شواهد وكوارث كثيرة في الحاضر العربي، تضيف إلى نكسات العرب ونكباتهم فصلاً جديداً في فصول التيه العربي، الذي طال أمل الخروج منه، نكسات مرة وأبرز ضحاياها اليوم الأطفال الذين سيتشكل وعيهم مشوهاً وهشاً ومثقلاً بالخيبات وغياب الثقة بالطروحات الإنسانية، التي تجعل العالم يمارس القلق والتحسر على مصير أوطانهم وحسب. نعم أصاب العرب فوات تاريخي منذ خمسة أعوام، ستترك لهم المزيد من التخلف والجهل والأمية والفقر. وللأسف لا يبدع العرب كثيراً في الحلول السياسية ولم يجربوا الخروج من إرثهم الحربي، والأرجح أن المشهد سيتطور إلى مزيد من التعقيد والبؤس، ولن يفلح العرب في اقتباس التجارب العالمية من الشعوب التي شهدت الحروب والثورات والهزائم ولكنها أفلحت في ابداع حالة من التجاوز للماضي، ولم تعش عليه حتى وإن تجرعت طعم الهزيمة. أمامنا درس ياباني في تجاوز الهزيمة والدمار ومن ثم النهضة، وكذلك ثمة درس من ألمانيا وتركيا واسبانيا في حربها الأهلية التي قتلت أكثر من مليون ونصف المليون في زمن الجنرال فرانكو، لكن هذه الأمم لم تعش في الماضي، ولا في نفق الكراهية، بل طورت حالة نهوض وطني جعلتها اليوم في مقدمة الأمم. على مدى عقد من الزمان بدأ في العام 2011 وحتى خمس سنوات قادمة سيكون هذا هو العقد الفائت في الألفية الثالثة عربياً، وقد لا يحدث فيه الجديد، وسيبقى العرب خلال خمسة أعوام قادمة يراوحون الخروج من أزماتهم، وسيبدأ العقد القادم ونحن نحاول البحث عن الحال الأفضل والذي سينتظره العرب كثيراً والأرجح أنه سيطول. لقد مثلّ الربيع العربي مثابة السقوط الكبير للوعود الأيدولوجية العربية، وتهافت الخطط المزعومة للتنمية، وكشف لستار الوهم التنموي الذي قيل أنه تحقق، وظهر أن خلف كل مرايا الأنظمة الفاسدة في ليبيا وسوريا واليمن ظلاما كبيرا وفشلا وغيابا للدولة والمؤسسات التي انهارت بغياب الأنظمة في تلك الدول. لقد كان الأمل أن يدخل العرب القرن الحادي والعشرين برؤية جديدة ونهج جديد ونظام عربي جديد، يستفيد من دروس القرن العشرين، وما شابها من ردات فعل وهزائم وتنازع الأمم علينا حتى ذهبت ريحنا ونحن نلهث وراء السراب، وكنا نأمل أن ندخل القرن الحادي والعشرين وقد تخلصنا من عقدنا ومن آثار الحروب والهجمات والتبعية للغرب والتي دمرت اوطاننا وسلبتنا فرصة التقدم. لكننا لم نكد نبدأ القرن الجديد حتى بدأت الخيبات تطل وبدأ النظام العربي يتعرض للمزيد من التفكك وشهدنا المزيد من الحروب والدمار. اليوم الأمة العربية في حال ليست بالأفضل ولا مهيأة لإعادة الخطاب الذي ساد طيلة النصف الثاني من القرن العشرين، وكان خطاباً في التنمية والتقدم والتحديث والتحرير، وقد فشل لأنه لم يكن مؤسسياً، ولم يفتح المجال للفرد ليدرك قيمته، ولم يبن على أساس الشراكة والمواطنة للأفراد في دولهم. والسؤال ما هو المطلوب اليوم؟ المطلوب التجاوز وإعداد نشء جديد والعناية بشكل أكبر في التعليم وممارسة سياسات تنموية حقيقية واشراك الناس فيها، وخفض الوعود، وجعل الناس يشاركون في صنع مستقبلهم بشكل أكثر فعالية. ومن شأن ذلك تحصين الأوطان ودفع الناس للشعور والاعتزاز بما ينجزون.