عندما أُناقش بعض المثقفين أو المهتمين بالأدب والشعر بفرعيه حول المصطلحات «المسميات» التي أُطلقت على الشعر الذي جاء بعد الفصيح، من حيث نشأتها ومدلولاتها ومعانيها وتراتبيتها التاريخية، يكون أول ما أُبادر به: لا مُشاحة في المصطلح! بلى هناك اختلافات وتباينات في المصطلحات، خاصة إذا تعلق الأمر بالتقليل من شأن فئةٍ، وتهميش رافد أدبي من روافد ثقافتنا المحلية والتي هي جزء لا يتجزأ من الثقافة العربية الأم، ووسم هذا الفرع العريض من الشعر من خلال تلك المسميات بالدونية تلميحا أو تصريحا، عن قصدٍ أو عن غير قصد، بحُسن نية أو بخلاف ذلك... ومن باب الإيجاز لا السرد.. فإن هذا الشعر الموازي - مصطلح ابتدعته وأتبناه لأنه قائم على موازاة الشعر الفصيح بكل فروعه وآدابه ولقيامه بدوره في الأزمنة المتأخرة وموازاته له من حيث التأثير والتأثر- مرّ بمسميات عدة حتى وصلنا به إلى مرحلة من التسمية تدل على قوته ورُقيّه «الشعر الموازي» حسب قناعتي وبناء على دراستي لتلك المصطلحات السابقة، فبدأ بمصطلح «الشعر النبطي» الذي أثبت المؤرخون أنه أول مسمياته وتناقله متعاطوه حتى أنهم ضمّنوه في قصائدهم وجاء المتأخرون ووثقوه كعناوين لأوائل ما دُوّن من مؤلفات وكتابات، مثل «خيار ما يلتقط من شعر النبط» لمؤلفه عبدالله خالد الحاتم. و«ديوان النبط» للأديب خالد الفرج والمتزامنين في العام 1952م تقريبًا.. ثم ديوان «روائع من الشعر النبطي» للشاعر الكبير عبدالله اللويحان في عام 1961م تقريبا، وهكذا.. ولا يزال هذا المصطلح متداولًا حتى الآن بكل «عجره وبجره». إلا أننا بعد تمحيص بعض الآراء «مستنبط من غيره، لغة الانباط، نبط القلب..،» حول سبب التسمية وجدناها ذات نفس فوقي واعتداد نخبوي وإسقاط على دونيته، فمن حيث انه مستنبط من غيره، وذو دلالة على انه اقل ممن أُستنبط منه، أما نسبته للغة أقوام غير عربٍ ففيه من الإقصاء ما يدل عليه التفسير، أما تأويل نبض القلب بنبط القلب كما هي اللهجة الدارجة، فليس له وجه قبول، لأن هذا الشعر طرَق أغراضًا أخرى ليس للقلب عليها تأثير كالحكمة والتفاخر وو...إلخ. وما لبثنا إلا وتأتي حقبة زمنية أخرى بمهتميها لينتشر مصطلحان آخران هما «الشعر العامي» أي شعر العامة وفي ثناياه إسقاطات تفوح بالتقليل والدونية له ولمتعاطيه، بحيث إنه لا يقال في المجالس والصالونات الادبية النخبوية و«الشعر الشعبي».. أما من الشعوبية أو الشعبوية وكلاهما فيه ما فيه من التشويه والتهميش. ومن المؤسف أن تكرار أيٍ من هذه المصطلحات وخاصة «نبطي» عبر تلك الازمنة المتلاحقة أدى إلى استقرارها في الذاكرة وترسبها في العقل الباطن فاستمرأتها الأنفس ودرجت علىها الألسن، فصارت وكأنها الأصل الذي لا يُناقش والمبدأ الذي لا يُخالف.. فانبرى لها المحامون ونافح عنها حتى الغرباء عن ميدان أدبها، وكل ذلك وشعراء هذا الفن ونقاده والمهتمون به منساقون في ذات الاتجاه متناسين أهداف المسمى ومدلولاته التي قام عليها. أما الآن فيجب أن نعتز بشعرنا الموازي الأصيل أصالة تراثنا والمهتم بمجتمعنا الضارب في أعماق التاريخ الإنساني، بل نفخر به كأدبٍ موازٍ بكل فروعه «الشعر، النقد، السالفة، اللغز، الموروث..». انطلاقا من إعمال الفكر وتغيير المصطلحات بما يرفع من مكانة هذا الشعر وأهله.. وعند ذلك سنقول «لا مشاحة في المصطلحات»! ولكن بشرط «تصليح المصطلح».. وقريبًا