لا تستخدم المضادات الحيوية فقط للعلاج من الأمراض المعدية، ولكنها تستخدم أيضا في إيقاف النزيف بعد الولادة، والمساعدة على تطهير سكان المدن التي تعمها القذارة من الجراثيم، وتحمي الأشخاص الذين يتعاملون مع الحيوانات، أو هذا على الأقل ما يعتقده الكثيرون في كابول. وأجرت دوريس بيرتشير، وهي عالمة اجتماع نمساوية دراسات حول سلوكيات الأفراد إزاء استخدام المضادات الحيوية بمستشفى أحمد شاه بابا بكابول، والتي تدار بمساعدة منظمة أطباء بلا حدود. ويدرك طاقم العاملين بالمستشفى أن الإفراط في استعمال مثل هذه الأدوية يؤدي إلى انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، كما تقول بيرتشير، غير أن كثيرا من الأطباء خارج المستشفى لا يزالون يصفون هذه الأدوية للمرضى الذين يطلبون العلاج بها. وقالت بيرتشير لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا.) إن «الأمر في غاية الصعوبة لأن الأطباء يريدون إرضاء مرضاهم». وتسيطر على الكثيرين في مختلف أنحاء العالم معتقدات خاطئة بشأن فوائد ومخاطر هذه النوعية من الأدوية، وجعلنا الاستخدام المفرط لها خلال العقود الماضية نقترب من حافة عصر ما بعد المضادات الحيوية. ويعني انتشار «مقاومة المضادات الحيوية» كما يصف الخبراء المشكلة، أن أية وعكة صحية بسيطة يمكن أن تتحول إلى مرض قاتل، كما أن ما تم تحقيقه من تقدم طبي في مجال الجراحة والعلاج بالأدوية يمكن أن يؤول مصيره إلى الضياع، حيث يمكن أن يفقد الأطباء القدرة على وقف العدوى. وأكدت إليزابيث تايلور، وهي خبيرة بارزة في مجال مقاومة الميكروبات بمنظمة الصحة العالمية بجنيف «أن ذلك يحدث الآن إلى حد ما». وقالت تايلور لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا) إن البكتيريا الصغيرة الضارة تؤدي إلى وفاة ما يقدر بنحو 25 ألف شخص سنويا في أوروبا، وعدد مماثل في الولاياتالمتحدة. وعلى سبيل المثال تناضل وحدات العناية المركزة لحل هذه المشكلة، حيث إن المرضى الذين يعانون من ضعف الجهاز المناعي يصابون بالتهاب رئوي من عدوى تسببها أنواع من البكتيريا العملاقة (السوبر) التي يصعب العلاج من أضرارها. وأصبحت الأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي أكثر صعوبة في العلاج عن ذي قبل، حيث صارت البكتيريا الآن تقاوم أنواعا مختلفة من الأدوية خاصة في حالة مرض السيلان. وأطلقت منظمة أطباء بلا حدود، التي تقدم المعونة الطبية للمحتاجين على مستوى العالم، صافرة الإنذار في مناطق الأزمات، مثل: العراق وسوريا، حيث تعاني شرائح كبيرة للغاية من المرضى أمراضا تقاوم العلاج بالأدوية المتعددة. وأشارت دوريس بيرتشير إلى الاتجاه الى تناول الكثير من الأدوية في مواقف الأزمات، ولاحظت هذا الاتجاه في أفغانستانوالعراق وفي أحد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وأضافت إن هذه الطريقة تجلب لهم الارتياح والاطمئنان بشكل ما. ومع ذلك يكون من الخطأ النظر إلى مناطق الحرب على أنها الأماكن الوحيدة لتوليد البكتيريا الضارة. وأشارت بيرتشير إلى أنه يمكن شراء المضادات الحيوية بدون روشتة الطبيب في عديد من دول جنوب أوروبا، مما يزيد من خطر الإفراط في استعمالها. وأشارت دراسة للتوعية أعدها وأصدرها الاتحاد الأوروبي في نوفمبر الماضي، إلى أن نوعين من البكتيريا العملاقة يمكن أن يؤديا إلى العدوى بأمراض في الدم والرئة، أصبحا الآن متوطنين في مالطا وإيطاليا واليونان وتركيا. ومارست منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الطبية الضغط على الحكومات والمستشفيات والأطباء والصيدليات والمرضى، لكي يتبنوا إجراءات بسيطة وفعالة في مساع لحل المشكلة. ومن بين هذه الإجراءات على سبيل المثال، أن يسأل الأطباء المرضى بشكل روتيني عن نوعية الأدوية التي يتناولونها، ويجب عليهم أن يخبروا مرضاهم بضرورة المحافظة على النظافة الشخصية. وأصدرت منظمة الصحة العالمية مؤخرا دليلا استرشاديا جديدا للجراحين، يدعوهم إلى خفض وصف المضادات الحيوية لمرضاهم في حالة عدم الضرورة، ووقف حلق شعر المرضى قبل إجراء العمليات الجراحية، لأن هذه الإجراءات يمكن أن تؤدي إلى إصابة المريض بعدوى بسيطة.