بعد أربع ليال من الشعر والموسيقى والغناء والفنون البصرية والتشكيلية والمسرحية، انفض سامر مهرجان بيت الشعر الثاني، الذي تنظمه جمعية الثقافة والفنون بالدمام، والذي شهد تكريم الشاعرة الرائدة فوزية أبوخالد لمجمل مسيرتها الإبداعية وعطائها الكتابي والثقافي بوصفها من بين أبرز رواد حركة الشعر الحديث في بلادنا. كان مهرجانًا متكاملا حقًا بتمازج وتداخل كل تلك الفنون التي قد يبدو لأول وهلة أن كلًا منها يسبح في فلك وحده بمعزل عن بقية الفنون الأخرى، حيث استمعنا إلى قصائد الشعراء على إيقاع وأنغام آلات موسيقية مختلفة، وطربنا لقصائد حلقت بها أصوات المغنين على أجنحة الألحان العذبة، وشاهدنا كيف تتداخل كلمات القصائد مع ألوان ونسيج اللوحات التشكيلية، وكنا شهودًا على كيف يتحول جسد الممثل على خشبة المسرح إلى قصيدة مجسدة من لحم ودم ومشاعر متفجرة. تحولت الجمعية خلال أيام المهرجان الأربعة إلى خلية من نحل الإبداع والتفاعل الجميل الخلاق الذي كان بمثابة العرس الثقافي الإنساني البهيج، بإشراف وقيادة مايسترو العمل الثقافي الشاعر أحمد الملا، مدير فرع جمعية الثقافة والفنون بالدمام، الذي نجح، برفقة عدد كبير من أعضاء الجمعية وعدد غير قليل من المتطوعين، وللعام الثاني على التوالي، في إخراج عمل ثقافي ناجح بكل المقاييس يُضاف إلى سجل الأعمال والأنشطة الثقافية الكثيرة التي نجحت عبرها الجمعية في بث حياة جديدة ومتجددة في عروق العمل الثقافي ليس في المنطقة الشرقية فحسب، بل وفي كافة أرجاء المملكة. على الصعيد الشخصي، كنت أتمنى وأحلم أن يكون لدينا مهرجان شعري سنوي على غرار مهرجانات الشعر الكثيرة التي تُقام في عدد كبير من مدن العالم العربي، والعالم أجمع، وبعض تلك المهرجانات، كما أعرف ذلك من واقع مشاركة وتجربة شخصية، تنظمها مؤسسات أهلية ضعيفة الموارد المالية، ولكنها نجحت رغم ذلك في المحافظة على هذا التقليد الثقافي والجمالي لأكثر من ربع قرن من الزمان، وأذكر هنا مهرجان رابطة الخريجين الجامعيين في حمص مثالا. والملفت للنظر، من بين أشياء أخرى كثيرة، في مهرجان هذا العام الذي سعدت كثيرًا بالمشاركة فيه، أن الحضور والتفاعل كانا كبيرين في كل ليالي المهرجان، مع تفوق ملحوظ ومبرر في ليلة الافتتاح، حين غص مسرح الجمعية بالحضور الذي استمتع بمشاهدة الفيلم التسجيلي عن شخصية المحتفى بها التي أصغت إلى «شجن الجماد» وكتبت ب«ماء السراب» ما حفظ لها مكانة لا يمكن إغفالها أو العبور بها سريعًا في تاريخ الشعر الحديث في المملكة وفي مجمل الجزيرة العربية. والجميل في الأمر أيضًا، وفي ظل الاحتفاء بتجربة شعرية وثقافية رائدة مثل تجربة أبوخالد، أن يتم الاحتفاء والإشادة بالتجارب الشعرية الجديدة الواعدة بما هو أجمل، وذلك من خلال جائزة بيت الشعر للكتاب الأول التي ينظمها بيت الشعر للمرة الأولى على هامش المهرجان، فيما يُرجى أن يكون تقليدًا سنويًا، طبعًا مع استمرار انعقاد المهرجان كل عام، حيث ينتظره عشاق الشعر والجمال والفنون بإجمالها، حيث أعلن عن فوز ثلاثة من الأسماء الشابة بالجائزة التي ستكون حتمًا دافعًا لهم لمزيد من الكتابة والإبداع في مستقبل الأيام.