غدا تعلن الميزانية العامة للدولة، وهذا العام نتوقع أن تكون مختلفة في الرؤية والآلية، الرؤية لضرورات المرحلة الحاسمة لمستقبل بلادنا، فالتراجع الحاد في أسعار النفط أعادنا إلى أزمتنا الممتدة منذ عقود وهي الارتهان إلى مصدر واحد للدخل. النفط نعمة، ولكنه يتحول إلى نقمة إذا أصبح مصدر دخلنا الوحيد الذي نعتمد عليه، ورؤية المملكة الجديدة هدفها الأساسي إخراجنا من مخاطر الاعتماد على النفط. وحتى نصل إلى تحقيق هذا الهدف وتحويل هذه القناعة الضرورية لمستقبلنا، فإن أغلب الأسر في مجتمعنا تحتاج «تنمية مهارات الإدارة والتدبير المالي» الذي يساعدها في التخطيط للمستقبل وتجاوز الأزمات. التدابير المالية والاستثمارية الجادة لتنمية الإيرادات التي تتخذها الحكومة تتحقق أهدافها وتقل تكلفتها الاجتماعية والسياسية إذا ارتفعت كفاءة إدارة الموارد المالية لدى الأسر، بالذات متوسطة الدخل، «الطبقة الوسطى»، فهذه من الضروري استقرار دخلها والمحافظة عليها، وأغلب هذه الشريحة هي الأكثر حاجة لأن تتعلم مهارات التعامل مع الأمور المالية الأسرية، وتتعلم كيف تدخر، وكيف توجه دخلها للأولويات الإنتاجية في حياتها. الميزانية هذا العام تتطلب دخول المواطن ك«شريك» في إنجاح برامج الدولة المالية. في السنوات الماضية كانت الميزانية مجرد خطة للإنفاق ترسل إلى الأجهزة التنفيذية، والمواطن حين إعلان الميزانية يرى البنود الرئيسيّة، والمعلومات الأولية عن المشاريع التي تهمه، وعادة تكون الميزانية مؤشرا للتفاؤل أو الخوف. أما ما يخص الدور المطلوب من المواطن ليكون شريكا في إنجاح أهداف الميزانية، فهذا عادة لا يطرح من الحكومة، ولا حتى الناس تتوقع أن لها دورا في نجاح تنفيذ الميزانية. نحن في حقبة تحول وطني كبرى تقودها رؤية جريئة وطموحة، والفرص التي بأيدينا كبيرة وعديدة، ولدينا إمكانات بلادنا الطبيعية والجغرافية وقدرات قياداتها وكفاءاتها الوطنية، هذه الطاقة الإيجابية تحتاج اندماج طاقة المواطن معها. وهذا ما يتطلع إليه مجلس شؤون الاقتصاد والتنمية. ومن الخطوات التي يُؤْمِن بها المجلس ضرورة تطوير آليات عرض الميزانية للناس حتى يَرَوْا كيف تتحقق المنافع التي تطرحها الميزانية عبر برامجها ومشاريعها العديدة التي سوف تقدم منافع مباشرة. لذا سوف تشهد الميزانية الجديدة آلية مطورة للعرض والإفصاح للنفقات والإيرادات المتوقعة، وهذا استمرار للجهد المبذول سابقا لتكون الميزانية أكثر شفافية، وهذا يستجيب للهدف والمبدأ الذي يتبناه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والذي يؤكد دائما على ضرورة انضباط أعمال الدولة ودقتها وشفافيتها. الآليات الجديدة سوف تجعل الميزانية أكثر دقة بحيث نكون قريبين من المعايير العالمية لضبط النفقات والإيرادات لتصل إلى 90 بالمائة، وهذا ضروري لأجل ضبط النفقات بحيث تكون الانحرافات ضمن المعايير المقبولة حتى لا يحدث خلل في أولويات الإنفاق التشغيلي والرأسمالي، وهذا في صالح التوازن المالي، ولا يربك مسار تنفيذ المشاريع المعتمدة، ويقلل ترحيل النفقات لأعوام لاحقة وبالتالي يحدث العجز. المرحلة القادمة تتطلب تحولا نفسيا وفكريا لدى الناس يوسع فهمها ورؤيتها لعمل الحكومة، وأحد المداخل لإحداث هذا التحول يتحقق عبر رفع مهارات الآباء والأمهات للتعامل مع إدارة مواردهم المالية. المواطن بحاجة لأن يعرف الضرورات للدعم، ويعرف أيضا ضرورات الرسوم على الخدمات، ويعرف أهمية كل هذا للاقتصاديات الحديثة التي تواجه تغيرات تقنية واستثمارية، فالعالم في السنوات القادمة مقبل على واقع جديد سوف تختفي فيه قطاعات اقتصادية وسوف يشهد اختفاء وانهيار شركات كبرى، وحتى دول، والحكومات مطالبة بأساليب إدارة جديدة، أو سوف تخفق إذا أدارت شؤونها بالطرق القديمة.. وهذا ما لا نريده لبلادنا.