ربما من المنافع العديدة لتراجع الإيرادات النفطية، الاتجاه إلى رفع الكفاءة الإدارية للقطاع العام وإطلاق روح التفكير الإيجابي في مؤسسات الدولة حتى ترى أن في التحديات فرصا، ولعلها تكون البداية الحقيقية الجادة لأن نخرج من سجن النفط وتقلبات أسعاره. مؤسسات الدولة في السنوات الماضية بقيت أدواتها وآلياتها متواضعة لجمع وتنمية الإيرادات غير النفطية، بالذات التي تم اقرارها منذ سنوات بعيدة وتجاوزت الدولة تبعاتها السياسية. المؤسف أن الوفرة المالية أوقفت ضرورات الإبداع والتطوير في تنمية هذه الإيرادات، فتراكمت السلبيات الإدارية وضاعت من الدولة موارد عديدة، واضافت سياسات الدعم الشاملة، بالذات للطاقة، مشكلة فوق مشكلة! قبل عشر سنوات عندما انطلقت مشاريع البنية الأساسية الضخمة، رغم فرحنا بها، إلا أن الحذر أيضا كان واردا. لقد لامني البعض من الناس عندما طالبت كمواطن يخشى مخاطر المستقبل بضرورة البدء بإدخال آلية ذكية للضرائب والرسوم حتى نوجد الموارد الضرورية لصيانة وتشغيل مشاريع البنية الأساسية الكبيرة. حينئذ ومع الوفرة المالية كانت البيئة النفسية مهيأة لتقبل هذا التوجه لان مستوى الدخول يساعد على استيعاب التكلفة، وموارد الدولة قادرة على استيعاب أية مخاطر. كنا نتمنى التوسع في تنمية الإيرادات غير النفطية، ولكن...! الإنفاق على الخدمات الحكومية والاستمرار في رفع مستويات الرفاه الاجتماعي وصيانة البنية الأساسية من الأمور التي سوف تبقى من أساسيات الدولة ولن تتخلى عنها، وحتى تنفق الحكومة على هذا الهدف ثمة آليات عديدة لتنمية الإيرادات، وهذا ما يستهدفه برنامج التحول الوطني. نتمنى أن ينجح البرنامج في تحقيق الأهداف التي يتطلع إليها، ولن نتوقع أن يحقق كل الأهداف، المهم أن نضع الاقتصاد الوطني أمام مسار جديد، والتحول إلى هذا المسار لن يكون سهلا، وبعض الآلام متوقعة، ولكل علاج آلام وآثار جانبية سلبية. استمرار اعتمادنا على النفط كمورد وحيد لاقتصادنا مرض خطير علينا الآن الأخذ بالأسباب لعلاجه.. قبل أن يخطف منا مستقبل بلادنا.